لماذا الرهينتان..أميركيّتان؟

خاص مراسل نيوز

لماذا الرهينتان..أميركيّتان؟

 

فيما يتظاهر (ويحرق ويخرّب على بُعد 3 كيلومتر) آلاف الفلسطينيين والشيوعيين والقوميين ضدّ السفارة الأميركية في عوكر (الشيطان الأكبر)، تختار حركة "حماس" من قلب النار والدمار "رهينتين أميركيتين" (أمّ وابنتها) لتطلق سراحهما "لأسباب إنسانية"، كما جاء في بيان لها، بناء على وساطة قطريّة، كالعادة.

والسؤال الأوّل:لماذا "أميركيتان"، وليس مثلاً روسيتين أو نيباليتين، أو من أيّ دولة أقلّ سوءً وشرّاً من الولايات المتحدة الأميركية التي حضر رئيسها جو بايدن، رغم الصواريخ الموجّهة الى مطار بن غوريون، ليعلن على الملأ أكبر دعم مالي وسياسي وعسكري في التاريخ للكيان الصهيوني، مبرّراً له حتى مجزرة المستشفى المعمداني التي أودت بأكثر من 500 مدني وطفل وامرأة؟

ألا تنطبق مواصفات "الإنساني" إلّا على هاتين السيّدتين، من جميع الأسرى المحتجزين لدى كتائب القسّام والجهاد الإسلامي، أم أنّ ميزان القوى المستجدّ في المنطقة هو الذي تحكّم وفرض على حماس أن تطلق صفة الإنسانية حصراً على الأميركيتين، علماً بأنّ الخطر الكبير الكامن على صدر البحر المتوسّط لا يتأتّى فقط من وحشيّة العدوان الإسرائيلي المستمرّ برّاً وبحراً وجوّاً على غزّة، وإنّما من حاملات الطائرات التي باتت تصطفّ، الواحدة تلو الأخرى، مهدّدة بالويل والثبور لكلّ من يطلق رصاصة تساعد في منع المجزرة بحقّ غزّة وأهلها، والتي يمكن في أن تحدّ من "الترانسفير" الذي بدأت بشائره تلوح من شمال غزّة الى جنوبها، وصولاً الى سيناء والنقب والأردن، كما يحذر من ذلك كلّ من الرئيس المصري السيسي والملك الأردني؟

والسؤال الثاني:إذا كان الجواب (وهو الأقرب الى الواقع) أنّ الرهينتين قد أطلق سراحهما مقابل دخول 20 شاحنة تحمل الأدوية والمواد الطبيّة والمواد الغذائية من مدخل رفح..فما العمل بعد نفاد مفعول هذه الشاحنات، وهي بالكاد تكفي لأيام قليلة لأكثر من مليوني شخص محشورينعلى مساحة 365 كيلومتر؟ هل تنتقل "المواصفات الإنسانية" الى رهائن أميركية أخرى، وماذا نفعل إذا نفد معاً الرهائن وحمولات الشاحنات؟ أما استعدّت حماس ومعها الجهاد، ومن ورائهما إيران، إلى ردّة الفعل الإسرائيلية (والغربية) في سياق التخطيط الذكي والبارع لعملية "طوفان الأقصى" التي غيّرت وجه إسرائيل لمدّة 48 ساعة، ولكن ماذا بعد؟

هل يمكن أن نطلب من الشعب الغزّاوي البطل أن يصمد ويقاوم؟ قد تقاوم العين المخرز، كما يقال، ولكن هل يستطيع الطفل أن يقاوه حاجته الى الحليب؟ هل يمكن للأمّ أن تقاوم جوع أولادها الى الرغيف والغذاء؟ هل يمكن للمريض أن يقاوم وجعه بلا دواء؟ هل يمكن للجرحى أن يقاوموا نزيف أجسادهم بلا عدّة طبيّة؟ هل يشرب العطاشى حكايات ومظاهرات هنا وهناك في الشرق كما في الغرب؟ أين الحليفان الأكبران روسيا والصين، لماذا لا يفعلان كما فعلت أميركا وبريطانيا وحتى إلمانيا؟ لماذا لا تكسر طهران بجيشها الجرّار وأسلحتها الحارقة الغارقة بوّابات معبر رفح وتوصل الى بيئة حماس ما تحتاجه من مواد أساسية للصمود، هل يكتفي وزير خارجيتها بالدوران في طائرته الخاصة، مهدّداً بأذرعته العسكرية في لبنان والعراق واليمن؟ لماذا لا يتدخّل الحليف بشار الأسد، وهو الأقرب الى قلب المعركة؟ لماذا يعمّ الهدوء القاتل هضبة الجولان؟

نعرف أنّ الحرب طويلة.ونعرف أنّ حماس قادرة على الصمود والقتال وتلقين العدو دروساً لا تُنسى..ولكن، ماذا عن حليب الأطفال وجوع النساء ودماء الجرحى؟

الحرب ليست فقط بطولات، على أهميّتها، ولكنّها أيضاً حسابات واحتياطات ومخازن قمح وطحين وأدوية وحليب!