7 مستشفيات دُمجت لإنقاذها من الإقفال... القطاع الصحّيّ يحمل تحدّيَين أساسيَّين لعام 2024

7 مستشفيات دُمجت لإنقاذها من الإقفال... القطاع الصحّيّ يحمل تحدّيَين أساسيَّين لعام 2024

على أعتاب العام الجديد، اختلف المشهد في المستشفيات التي عاشت محطات مفصلية في الأعوام الأخيرة، واضطرّ بعضها إلى الاندماج مع مستشفيات جامعية لتفادي الإقفال. لا يخفي المعنيون خوفهم من تعثّر بعض المستشفيات الأخرى والبحث عن حلول منطقية كانت أساسية لتجنّب كارثة صحية جديدة.

 

التناقض يرسم صورة جديدة للتخبّط الذي يشهده #القطاع الاستشفائيّ، وما يؤكّد هذه الصورة التفاوت الحاصل بين افتتاح مستشفيات جديدة، وآخرها كان افتتاح مستشفى (STMC) أو ما يعرف باسم سانت تريز سابقاً بإدارة الدكتور فادي هاشم، وعمليات الدمج التي طالت 7 مستشفيات حتّى الآن، فيما يبدي نقيب المستشفيات الخاصة تخوّفه من تعثّر مستشفيات أخرى في ظلّ التحدّيات المستمرّة في القطاع الاستشفائيّ.

 

أصرّ وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض على توجيه رسالة حيث أكّد خلال افتتاح مستشفى (STMC) أنّه "لطالما تكرّر الحديث في الأعوام الأخيرة عن أنّ القطاع الاستشفائي يواجه خطر الانهيار، وأنّ مستشفيات قد تقفل. إلّا أنّ ما يحصل هو العكس، على غرار مستشفى سانت تيريز اليوم، وقريبًا سيُفتتح مستشفى سان لويس، بالإضافة إلى افتتاح مستشفيات أخرى بمساعدة المستشفيات الجامعية، بالتوازي مع إعادة ترميم وتوسيع أقسام في مستشفيات أخرى".

 

ومع ذلك، لا ينكر الوزير أنّ التحدّي الأكبر" يتمثّل في عدم قدرة الكثيرين على الاستشفاء". وهذه الحقيقة تحدّث عنها هارون باعتبارها مشكلة أساسية تواجه المستشفيات بشكل خاصّ.

 

منذ الأزمة الاقتصادية التي ضربت البلد في أواخر العام 2019، أطلق نقيب المستشفيات الخاصة أكثر من تحذير حول عدم قدرة المستشفيات على الصمود طويلاً. قرار الإقفال كان يهدّد بعض المستشفيات الصغيرة، وأخرى كانت تبحث عن مستثمر جديد لإيجاد حلّ لتعثّرها المادّي، لكنها بقيت صامدة إلى أن انفجر الوضع اقتصادياً واجتماعياً.

7 مستشفيات تمّ دمجها مع مستشفيات جامعية لتفادي إقفالها وهي: مستشفى السان شارل ومستشفى القرطباوي ومستشفى تلح شيحا ومستشفى السلام في القبيّات والمستشفى العائلي في زغرتا،  وجميعها دُمجت مع مستشفى أوتيل ديو. أمّا المستشفى الذي دُمج مع مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت فهو مستشفى KMC، في حين انضمّ مستشفى البرجي في الكورة (شمال #لبنان) إلى مستشفى القديس جاورجيوس في بيروت.

 

اخترق المشهد الطبّي الساحة اللبنانية بتحرّكات لأطباء وممرضين بين الحين والآخر لرفع الصوت حول انهيار القطاع الطبي وهجرة طواقمه من جهة، وانقطاع المستلزمات الطبية والأدوية من جهة أخرى، لاسيّما السرطانية والأمراض المزمنة. كان الوضع يتأرجح صعوداً وهبوطاً في قطاع الرعاية الصحية مع السعي الدؤوب لتفادي الانهيار الصحي الكامل.

 

يتشارك كلّ من نقيب المستشفيات الخاصة سليمان هارون ومدير العناية الطبية في وزارة الصحة الدكتور جوزيف حلو في أنّ "المشكلة الأساسية تتمثّل بالأزمة المالية، وأنّ أيّ حلّ يجب أن يكون مادياً حتى يتمكّن القطاع الاستشفائي من المواصلة والاستمرار".

التعويل على رفع موازنة وزارة الصحة حتى تُحاكي ارتفاع الكلفة التي رافقت الأزمة الاقتصادية والتي جعلت كلفة بعض الإجراءات الطبية عصية على شريحة كبيرة من اللبنانيين.

فروقات كبيرة قبل وبعد الأزمة

 

في مقاربة بسيطة عمّا كانت عليه الحال قبل الأزمة الاقتصادية، يشير حلو إلى أنّ "موازنة وزارة الصحة الاستشفائية كانت بحدود 330 مليون دولار سنوياً، أمّا اليوم فهي لا تتخطّى الـ 20 مليون دولار. هذا الواقع دفع بكثيرين للّجوء إلى الوزارة، وبعد أن كنّا نتكفّل حوالى 47 في المئة من اللبنانيين ارتفعت النسبة إلى 65 في المئة نتيجة الأزمة الاقتصادية التي منعت كثيرين من تحمّل هذه الأعباء المادية".

 

وعلى سبيل المثال كانت كلفة جراحة القلب المفتوح تبلغ حوالى 13 مليون و600 ألف ليرة لبنانية وكان المريض يدفع 750 ألف ليرة فقط كفرق. اليوم سعت الوزارة إلى مضاعفة الكلفة إلى 8 أضعاف أي 100 مليون ليرة لبنانية أي ما يوازي الـ1000 دولار اليوم، ما يعني أنّ قيمة الـ8000 دولار سابقاً توازي اليوم مع انهيار العملية 1000 دولار لتغطية كلفة الجراحة على نفقة الوزارة.

 

هذا الانهيار الكبير في العملة أرخى بثقله على المواطنين بالدرجة الأولى حيث لجأوا إلى المراكز الأولية والمستشفيات الحكومية للتخفيف من عبء الفاتورة الاستشفائية.

 

في موازاة ذلك، يشير نقيب المستشفيات الخاصة سليمان هارون إلى تراجع الفاتورة الاستشفائية بالدولار بنسبة 25 في المئة عمّا كانت عليه قبل الأزمة، ولكن في المقابل شهدنا زيادة مطردة في كلفة المستلزمات الطبية والكهرباء. ومع ذلك فإنّ اسعار المستشفيات مع شركات التأمين على سبيل المثال لا تتعدّى الـ65 في المئة ممّا كانت عليه قبل العام 2019، ما يعني أنّ التسعيرة أقلّ بنسبة 35 في المئة.

 

في المقابل ارتفعت كلفة المستلزمات الطبية في حدود 15-20 في المئة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى تصحيح هذه المعدّات.

وبما أنّ العائق المادّي هو أساس المشكلة في القطاع الصحّي، يُعوّل المعنيون على رفع موازنة وزارة الصحة، وهذا ما أكّده الحلو في حديثه قائلاً: "موعودون بضرب التعرفة التي كانت مضروبة بنحو 8 مرات ونصف، وبرفعها 50 مرة أي يصبح دولار الوزارة على سعر 75، وبالتالي يدفع المريض الفرق في حدود 15-20 في المئة من الفاتورة الاستشفائية".

 

وفي حال لم نحصل على الموازنة التي نأمل بها فنحن أمام مصيبة، فسنشهد على انهيار كامل للقطاع الاستشفائي ولن ننجح في النهوض بالقطاع كما يجب، وتخفيف فرق الفاتورة الاستشفائية على المواطن.

 

تحدّيان أساسيّان

 

يتشارك هارون مع الحلو في التوافق على المشكلة المادية التي كان لها دور كبير في ارهاق القطاع الاستشفائي. برأي هارون المستشفيات أمام تحدّيين أساسيين:

 

* التحدّي الأوّل- الصعوبات الماليّة: ما زالت تعرفات الجهات الضامنة (خاصة وزارة الصحة والضمان الاجتماعي) منخفضة مقارنة مع الزيادة التي شهدتها المستشفيات منذ بداية الأزمة وحتى اليوم. ونتيجة ذلك، تكون الفروقات المالية كبيرة (آلاف الدولارات)، تدفع كثيرين إلى تعذّر تحمّل هذه التكاليف.

 

لذلك الحلّ يتمثل بتأمين التمويل اللازم لمواكبة الكلفة الحالية (من مستلزمات طبية إلى أجور الموظفين وفاتورة الكهرباء والـTVA...)، خاصّة أنّ مدخول المستشفى انخفض وبالتالي هذا ما يفسّر الصعوبات المادية التي تواجه المستشفيات اليوم.

 

* التحدّي الثاني- الطواقم البشرية: هجرة الأطباء والممرضين والاختصاصيين في مختلف المجالات الطبية من (تقنيّين في المختبر والأشعة وغيرها) الذين يتمتعون بالخبرة والكفاءة، والاستعانة بأشخاص متخرّجين حديثاً، وتدريبهم من نقطة الصفر حتى يتمكّنوا من استلام الوظائف الشاغرة.

نقص في بعض الاختصاصات

 

في المقابل، يرى الحلو أن "زيادة موازنة وزارة الصحة ستساعد على تحسين الواقع الصحي والاستشفائي وحثّ الطواقم الطبية والتمريضية على العودة، خصوصاً أنّنا نعاني من نقص في بعض الاختصاصات ومنها جراحة قلب الأطفال، حيث يوجد حالياً طبيب واحد في لبنان يعمل في 5 مستشفيات لتعويض النقص الحاصل.

كذلك تعاني بعض المستشفيات من نقص في جراحة أعصاب الرأس. وعليه يؤكّد نحن في حاجة إلى تقديم مغريات للأطباء والاختصاصيين للعودة إلى لبنان، وقد عاد عدد كبير منهم".

 

ويختصر حلو الأزمة بالقول: "إن استقرار الوضع السياسي يساهم مباشرة باستقرار الوضع المالي لأنّ الأخير مرتبط بالسياسة".

فهل يتنفّس القطاع الصحي الصعداء في العام 2024 بإنصافه في الموازنة وفي رفع التعرفات لدى الجهات الضامنة، أم ستكون بداية لأزمة صحية أكثر شراسة يدفع ثمنها المواطن الذي قد يعجز عن تلقّي الرعاية الصحية نتيجة الفاتورة الاستشفائية الباهظة؟