التجربة الإلمانيّة!
بقلم مراسل نيوز
على طريقة فيلم "التجربة الدانماركية" للممثل الكوميدي المصري عادل إمام، يمكن تسمية وصول وزيرة خارجية إلمانيا أنالينا بيربوك الى بيروت بصاحبة "التجربة الإلمانبة":فهل يصحّ معها (في موضوع الحرب والسلام) ما لم يصحّ من قبل مع المستشارة الإلمانية السابقة أنغيلا ميركل التي حضرت خصيصاً إلى لبنان لتقدّم لنا الخبرة العظيمة لشركة سيمنز في مجال توليد الكهرباء، ولكنّها عجزت عن إقناع "المكوّنات اللبنانية المتناقضة"، وعلى رأسها سوبر وزير الطاقة جبران باسيل وزملائه المستشارين، بذلك رغم عروضها المغرية ورغم قروضها الميسّرة، ورغم استعدادها لإحضار مولّدات ضخمة تضيء البلد بكامله، بانتظار تركيب المعامل التي لا تستغرق وقتاً طويلاً ولا كلفة كبيرة..فلبنان مدينة صغيرة بالنسبة لجبروت إلمانيا وبالنسبة لتطوّرها العلمي والتكنولوجي؟
مع ميركل، كان الموضوع في التقنيّات والمصالح.أمّا مع بيربوك فالأمر مختلف تماماً.إنّه في عمق السياسة والمصير والحسابات الكبيرة الممتدّة من واشنطن إلى تل أبيب مروراً بطهران والدوحة وفرنسا.كلّ نقطة لها تداعياتها، كلّ فاصلة تدخل في الربح والخسارة، كلّ جملة تأخذنا إلى سلام دائم، كما يمكن أن تأخذنا إلى حرب مدمّرة، لا يكفّ القادة الإسرائيليون عن تذكيرنا بها تشبّهاً بما حصل ويحصل لغزّة.وفي المقابل لا تكفّ طهران (ومعها حزب الله والحوثيون ومقاتلو حماس والجهاد والحشود الشعبية في سوريا والعراق) عن تذكير أميركا والجيش الذي لا يقهر، بما فعلته "طوفان الأقصى" بغلاف غزّة والمستوطنات التي كانت تتوهّم الوصول إليها أقرب الى المستحيل!
المفاوضات المقبلة أشدّ تعقيداً من ترسيم مصالح الغاز المتبادلة في البحر، والتي قادها بنجاح المبعوث الأميركي هوكشتاين العائد قريباً إلى المنطقة في سياق المساعي الدولية الجارية والضاغطة لمنع إسرائيل من الدخول في حرب جديدة مع لبنان، ولإقناع الثنائي إيران – حزب الله بأنّه "لا مصلحة لهما" في الإنجرار إلى هذه الحرب التي يريدها بقوّة رئيس الحكومة الإسرائيلي ناتنياهو في لحظة إقليمية وداخلية يعتبرها مناسبة له.ولكن يمكن القول بأنّ لإلمانيا باعاً دبلوماسياً وإستخباراتياً طويلاً في المفاوضات ما بين تل أبيب والضاحية الجنوبية.لقد سبق لها أن حقّقت نجاحات باهرة في تبادل الأسرى (والجثامين والأشلاء) بين الطرفين، وهو ما يؤهّلها لخوض التجربة الجديدة على وقع التصعيد غير المسبوق في "حرب المساندة" كما يريدها الأمين العام حسن نصرالله، وفي "الحرب المفتوحة" كما يسعى إليها ناتنياهو الباحث عن نصر سريع وبارز في الجنوب كبديل عن وحول حرب غزّة المكلفة، وربّما الطويلة.
إلمانيا، في دورها المستجدّ على ساحة الشرق الأوسط، تحاول أن ترسم مساراً جديداً في السياسة الإلمانية والأوروبية بعد أن انكفأت طويلاً لصالح الدور الفرنسي المتعثّر في أكثر من قارة، وعلى أكثر من جبهة ومنها لبنان حيث عجز (ويعجز) المبعوثون الفرنسيون (من لودريان، إلى وزيرة الخارجية إلى دوريل) عن تحقيق أيّ خرق في الموضوع الرئاسي على محدوديّته، فكيف الحال مع موضوع مصيري مثل الحرب والسلام؟
إلمانيا التي استفاقت من حيادها السياسي الطويل على وقع الحرب الروسية – الأوكرانية، هل تستطيع أن تقدّم تجربة مميّزة في هذه اللحظة المصيرية من تاريخ لبنان والمنطقة، فنستفيق على شبه سلام دائم، بدل أن نستفيق كلّ صباح على إغتيال في الضاحية الجنوبية، أوعلى قافلة من الشباب الشهداء على امتداد قرى وبلدات الجنوب؟