الاستثمار في التعليم الإلكترونيّ يشهد تراجعاً حادّاً مع صعود الذكاء الاصطناعيّ
انخفض الاستثمار العالمي في شركات التعليم الإلكتروني إلى أدنى مستوى له في عقد من الزمن، مع تعرّض هذا القطاع لضغوط متزايدة نتيجة الظهور السريع لأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي المجانية التي باتت تتفوّق على المنتجات المدفوعة التي تقدّمها الشركات. ووفقاً لبيانات "PitchBook"، حصلت شركات التعليم الإلكتروني على استثمارات بقيمة 3 مليارات دولار فقط في عام 2024، مقارنة بذروة بلغت 17.3 مليار دولار في عام 2021 خلال جائحة كورونا. هذا الرقم هو الأدنى منذ عام 2014، حين استقطبت هذه الشركات 2.3 ملياري دولار.تحدّيات ما بعد الجائحة وصعود الذكاء الاصطناعيّ
تعود أسباب هذا التراجع الكبير إلى الصعوبات التي تواجهها شركات التعليم الإلكتروني في الحفاظ على نمو قاعدة المستخدمين بعد انتهاء حالة الطوارئ المرتبطة بكوفيد-19. وقد ازدادت التحديات مع التطوّر السريع للذكاء الاصطناعي التوليدي خلال العامين الماضيين، ما أثّر على الطلب على أدوات التعلّم المدفوعة عبر الإنترنت وأدّى إلى انخفاض قيم هذه الشركات السوقية.
وأشارت صباح باكسموسا، مديرة تطوير الأعمال في منصّة ريادة الأعمال "OneValley"، إلى أنّ هذه الشركات كانت تعد بسدّ الفجوة المهارية، لكنّ المستثمرين والطلاب يشعرون بأنّها لم تفِ بهذه الوعود بشكل كامل.
ازدهار استثمارات الذكاء الاصطناعيّ
في المقابل، شهد الاستثمار في الذكاء الاصطناعيّ التوليدي ازدهارًا هائلًا، حيث بلغ حجم الاستثمار في هذا المجال 51.4 مليار دولار في 2024 مقارنة بـ16.5 مليار دولار في 2021. تعرضت شركة "Chegg"، وهي شركة تعليم إلكتروني مقرها كاليفورنيا، لضربة قوية بعد إطلاق "أوبن إيه آي" لتطبيق "شات جي بي تي" ، ما أدّى إلى انخفاض أسهمها بشكل حادّ. استمرّت الشركة في مواجهة التحديات وأعلنت في تشرين الثاني (نوفمبر) 2024 عن خفض 21% من قوتها العاملة بعد سلسلة من التسريحات السابقة. وتراجعت أعداد المشتركين لديها بنسبة 13% خلال الربع الثالث، ما أدّى إلى انخفاض أسهمها بنسبة 84% هذا العام.
وبينما تحاول "Chegg" التكيّف مع الوضع الجديد، أشار مديرها التنفيذي ناثان شولتز إلى أنّ الطلاب يميلون لاستخدام الذكاء الاصطناعيّ للحصول على إجابات سريعة بدلاً من بناء مهارات التفكير النقديّ، ما يؤثّر سلبًا على فهمهم على المدى الطويل.
شركات تعليمية تتأقلم وأخرى تواجه المصاعب
واجهت منصات مثل "Coursera" و"Udemy" انخفاضاً حاداً في أسهمها بنسبة 56% و43% على التوالي هذا العام. لكن بعض الشركات، مثل تطبيق تعلم اللغات "Duolingo"، تمكنت من تحقيق نجاحات، حيث ارتفعت أسهمها بنحو 60% نتيجة زيادة عدد المستخدمين والمشتركين بفضل ميزات جديدة مدعومة بالذكاء الاصطناعي.
وفي الوقت نفسه، عززت شركات مثل "أوبن إيه آي" و"غوغل" من عروضها التعليمية. أطلقت "أوبن إيه آي" تطبيق "ChatGPT Edu"، بينما طوّرت "غوغل" نماذج "LearnLM" المصمّمة خصيصاً للبيئات التعليمية. تسعى شركات التعليم الإلكتروني الآن إلى دمج الذكاء الاصطناعي في منتجاتها لتعزيز خدماتها.
مستقبل التعليم الإلكترونيّ في ظلّ الذكاء الاصطناعيّ
مع ذلك، هناك شكوك واسعة داخل قطاع التعليم حول ما إذا كانت هذه التغيرات ستساعد شركات التعليم الإلكتروني على تحسين أوضاعها. أشار خبراء إلى التحديات الكبيرة المرتبطة بنماذج الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك التكاليف العالية، والتحيّز، والمخاوف المتعلقة بالخصوصية والأمان.
وقالت آنّي تشيشيتيللي، كبيرة مسؤولي المنتجات في شركة "Turnitin"، إن الشركة قدّمت أدوات للكشف عن النصوص التي يولّدها الذكاء الاصطناعي كجزء من خدماتها، لكنّها أشارت إلى التحديات المستمرّة في مواجهة الابتكارات الطلابية للالتفاف على هذه الأنظمة.
في نهاية المطاف، يرى خبراء أنّ شركات التعليم الإلكتروني تواجه مشكلة أساسية في عدم قدرتها على فهم المجال التعليمي بشكل كامل، حيث تركّز معظم هذه الشركات على الجانب التقني والاقتصادي دون إشراك كافٍ للممارسين في مجال التعليم. هذا الانفصال قد يفسّر العجز عن تحقيق تقدم حقيقي في تطوير طرق التعلّم.