لبنان.. حين تصبح الطوائف أوطاناً والدولة رهينة – هل ينجو الوطن من لعنة التقسيم؟
بقلم الكاتب و الباحث السياسي عبد الحميد عجم
في قلب الشرق الأوسط، يقف لبنان شامخاً بتاريخه وثقافته، لكنه مكبل بنظام سياسي متآكل، يحكمه منطق الطوائف لا منطق الدولة. أصبح انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان أشبه بمسألة رياضية معقدة، لا تُحل إلا بعد شهور أو حتى سنوات من المفاوضات والصفقات السياسية. هذا التأخير لا يعكس فقط الانقسام السياسي، بل يكشف عن أزمة أعمق تتجذر في بنية النظام اللبناني الذي يقوم على المحاصصة الطائفية.
مشهد يتكرر... ولا حلول في الأفق
كلما اقتربت لحظة انتخاب رئيس، تتكرر نفس المسرحية السياسية التي اعتاد عليها اللبنانيون. تحالفات مؤقتة، تعطيل جلسات، وسباق محموم لتأمين أكبر قدر من النفوذ السياسي للطوائف والأحزاب. هذا الواقع لا يؤدي فقط إلى تعطيل مؤسسات الدولة، بل يترك البلاد في فراغ دستوري يضعف ثقة المواطنين ويؤدي إلى انهيار الخدمات والاقتصاد.
لكن هل هذا هو قدر لبنان؟ أم أن هناك فرصة للنجاة من هذه الدوامة؟
الطائفية: هل هي الحل أم المشكلة؟
يرى البعض أن نظام المحاصصة الطائفية كان ضرورياً في الماضي للحفاظ على السلم الأهلي وتجنب الحروب الأهلية. إلا أن استمرار العمل به اليوم أصبح أشبه بلغم موقوت يهدد بانفجار دائم في أي لحظة. فكلما حاولت الدولة النهوض، تجد نفسها عالقة في شبكة من المصالح المتضاربة التي تعرقل أي محاولة للإصلاح.
إن الطوائف التي كانت يوماً ما تخشى التهميش أصبحت تُقاتل بشراسة للحفاظ على مكاسبها. وبدلاً من أن يكون التنوع اللبناني مصدر قوة، تحول إلى ساحة تنافس محمومة تُدار بمنطق الغنائم.
ما هو الحل؟
إذا أراد لبنان تجاوز أزمته، فلا بد من الانتقال من منطق المحاصصة إلى منطق المواطنة. وهذا يتطلب:
إصلاح قانون الانتخابات لضمان تمثيل حقيقي بعيد عن القيد الطائفي.
تعزيز استقلالية القضاء ليكون الحكم الفصل في قضايا الفساد والتجاوزات السياسية.
إشراك الشباب والمجتمع المدني في عملية صنع القرار، وفتح المجال أمام وجوه جديدة تحمل أفكاراً إصلاحية.
إنشاء هيئة وطنية للحوار تعمل على التوفيق بين الأطراف السياسية بعيداً عن التشنجات الطائفية.
بصيص أمل رغم الظلام
لبنان لا ينقصه الإبداع ولا الإرادة، لكنه بحاجة إلى نظام سياسي قادر على ترجمة هذه الطاقات إلى إنجازات.
إذا أراد اللبنانيون بناء وطن يليق بتاريخهم، فلا بد من كسر الحلقة المفرغة التي يعيشون فيها. ربما يكون الطريق طويلاً، لكن الأمل يبقى دائماً في قدرة الشعوب على إعادة كتابة مصيرها.
"ما يربط اللبنانيين أكبر مما يفرقهم، وما يجمعهم هو الحلم بوطن يكون فيه المواطن أولاً، قبل الطائفة والحزب والانتماء."