كيف تعلّمَ ذكاءٌ اصطناعيّ اللّغة عبر تجربة لأحد الأطفال؟

كيف تعلّمَ ذكاءٌ اصطناعيّ اللّغة عبر تجربة لأحد الأطفال؟

تمكّن علماء من دفع نموذج للذكاء الاصطناعيّ إلى التفاعل مع محيطه، على المستوى الإدراكيّ، كما يتفاعل طفل في أشهره الستة الأولى وحتى عمر السنتين. لم يكن هذا الإنجاز مفيداً من الناحية التكنولوجيّة وحسب. هو أظهر للعلماء نتائج جديدة في ما يتعلّق بمعرفتهم عن آليّات التعلّم لدى الأطفال. قد يكون نعوم تشومسكي مخطئاً في نهاية المطاف. المزيد في هذا التقرير لمجلّة "نيتشر":

 

لقد تعلّم نموذجٌ للذكاء الاصطناعيّ التعرف الى كلمات مثل "سرير طفل" و"كرة"، من خلال دراسة تسجيلات كاميرا رأسيّة لجزء صغير من حياة طفل واحد.

 

تشير النتائج إلى أنّ الذكاء الاصطناعيّ يمكن أن يساعدنا في فهم كيفيّة تعلّم البشر، كما يقول واي كين ڨونغ، مؤلف مشارك للدراسة وباحث في الذكاء الاصطناعيّ بجامعة نيويورك. لم يكن هذا واضحاً في السابق، لأنّ النماذج الأخرى لتعلّم اللغة، مثل "تشات جي بي تي" تتعلّم من مليارات نقاط البيانات، وهو ما لا يمكن مقارنته بالتجارب الواقعيّة للرضيع، كما يقول ڨونغ. "نحن لا نحصل على الإنترنت عندما نولد".

 

يأمل المؤلّفون أن يغذّي البحث الذي نُشر في مجلة "ساينس" في الأول من شباط (فبراير)، مناقشات طويلة الأمد حول كيفية تعلّم الأطفال للّغة. ولم يتعلّم الذكاء الاصطناعي إلّا من خلال بناء الارتباطات بين الصور والكلمات التي رآها معاً؛ لم تتمّ برمجته مع أيّ معرفة مسبقة أخرى حول اللغة. يقول ڨونغ إنّ هذا يتحدّى بعض نظريّات العلوم المعرفيّة التي تقول إنّ الأطفال، لكي يربطوا معنى بالكلمات، يحتاجون إلى بعض المعرفة الفطريّة حول كيفيّة عمل اللغة.

 

تقول هيذر بورتفيلد، عالمة الإدراك في جامعة كاليفورنيا في ميرسيد، إنّ هذه الدراسة هي "نهج رائع" من أجل فهم الاكتساب المبكر للّغة لدى الأطفال.

 

ما تراه عين الطفل

استخدم ڨونغ وزملاؤه 61 ساعة من التسجيلات بواسطة كاميرا مثبتة على خوذة ارتداها طفل رضيع اسمه سام، لجمع الخبرات من وجهة نظره. كان سام الذي يعيش بالقرب من أديليد في أستراليا يرتدي الكاميرا لمدة ساعة تقريباً مرتين كلّ أسبوع (نحو 1 في المئة من ساعات يقظته)، من عمر ستة أشهر إلى عامين تقريباً.

 

قام الباحثون بتدريب شبكتهم العصبيّة – وهو ذكاء اصطناعيّ مستوحى من بنية الدماغ – على إطارات من الفيديو والكلمات المنطوقة إلى سام، منسوخة من التسجيل. تمّ تعريض النموذج لـ 250 ألف كلمة وصور مقابِلة تمّ التقاطها أثناء أنشطة مثل اللعب والقراءة وتناول الطعام. استخدم النموذج تقنية تسمّى التعلّم التقابليّ لمعرفة أيّ من الصور والنصوص يميل إلى التوافق معاً وأيّها لا يميل إلى ذلك، من أجل بناء معلومات يمكن استخدامها للتنبؤ بالصور التي تشير إليها كلمات معيّنة، مثل "كرة" و"وعاء".

 

ولاختبار الذكاء الاصطناعيّ، طلب الباحثون من النموذج مطابقة كلمة مع واحدة من أربع صور مرشّحة، وهو اختبار يستخدم أيضاً لتقييم القدرات اللغويّة للأطفال. لقد نجح في تصنيف الموضوع بنسبة 62 في المئة من الوقت، وهي نتيجة أفضل بكثير من نسبة 25 في المئة المتوقعة عن طريق الصدفة، ويمكن مقارنتها بنموذج ذكاء اصطناعيّ مشابه تمّ تدريبه على 400 مليون زوج من الصور والنصوص من خارج مجموعة البيانات هذه.

 

بالنسبة إلى بعض الكلمات، مثل "تفّاحة" و"كلب"، كان النموذج قادراً على تحديد صحيح لأمثلة غير مرئيّة من قبل، وهو أمر يجده البشر سهلاً نسبياً عموماً. في المتوسط، نجح في تحقيق ذلك بنسبة 35 في المئة من الوقت. كان الذكاء الاصطناعيّ أفضل في تحديد أشياء من خارج السياق عند حدوثها تكراراً في بيانات التدريب. ويقول ڨونغ إنّه كان أيضاً أفضل في تحديد الأشياء التي تختلف قليلاً في مظهرها. بينما كان من الأصعب تعلّم كلمات يمكن أن تشير إلى مجموعة متنوعة من العناصر المختلفة مثل "لعبة".

دروس حول التعلّم

تقول بورتفيلد إنّ اعتماد الدراسة على بيانات من طفل واحد قد يثير تساؤلات حول إمكانيّة تعميم نتائجها، لأنّ تجارب الأطفال وبيئاتهم تختلف اختلافاً كبيراً. وأضافت أنّ التمرين كشف أنّه يمكن تعلّم الكثير في الأيام الأولى للرضيع من خلال تكوين ارتباطات بين مصادر حسّيّة مختلفة وحسب. كما تتحدّى هذه النتائج علماء، مثل عالم اللغويّات الأميركيّ نعوم تشومسكي، يزعمون أنّ اللغة معقّدة للغاية، وأنّ مُدخلات المعلومات متناثرة للغاية، بحيث لا يمكن اكتساب اللغة من خلال عمليات التعلّم العامّة. تقول بورتفيلد: "هذه من بين أقوى البيانات التي رأيتها والتي توضح أن مثل هذه الآليّات ‘الخاصّة‘ ليست ضرورية".

يعدّ تعلّم اللغات في العالم الحقيقيّ أكثر ثراءً وتنوّعاً من تجربة الذكاء الاصطناعيّ. ويقول الباحثون إنّه بالنظر إلى أنّ الذكاء الاصطناعيّ يقتصر على التدريب على الصور الثابتة والنصوص المكتوبة، هو لا يستطيع تجربة التفاعلات المتأصّلة في حياة الطفل الحقيقيّة. على سبيل المثال، واجه الذكاء الاصطناعيّ صعوبة في تعلّم كلمة "يد"، والتي عادة ما يتمّ تعلّمها في وقت مبكر من حياة الرضيع، كما يقول ڨونغ. "لدى الأطفال أيديهم الخاصة، ولديهم الكثير من الخبرة معهم. وهذا بالتأكيد عنصر مفقود في نموذجنا".

 

يقول أنيرود غويال، عالم التعلّم الآليّ في جامعة مونتريال، كندا: "إنّ إمكانية إجراء المزيد من التحسينات لجعل النموذج أكثر توافقاً مع تعقيدات التعلّم البشريّ هائلة، ما يوفّر طرقاً مثيرة للتقدّم في العلوم المعرفيّة".