الحرب في لبنان: صراع معقد بين الداخل والخارج
بقلم رئيسة التحرير ليندا المصري
تعيش المنطقة حاليًا واحدة من أعنف الحروب التسلسلية في تاريخها الحديث، حيث تتشابك الصراعات الداخلية والخارجية بشكل غير مسبوق. الصراع الإسرائيلي الإيراني بات يطغى على الصراع العربي الإسرائيلي في كثير من الأحيان، رغم إنكار البعض لهذه الحقيقة. لبنان، للأسف، بات أسيرًا لهذا النزاع الإقليمي، وكأنه سقط في حفرة عميقة يصعب الخروج منها، ما جعله في حالة من الاضطراب السياسي والعسكري المتواصل.
حزب الله: قوة تتآكل وسط الصراع
في الماضي، كان حزب الله بقيادة السيد حسن نصرالله يشكل واحدة من أقوى المنظمات العسكرية في المنطقة، لكن الوضع تغير. الحزب الذي قاد لبنان لعقود وغيّر موازين القوى في الداخل والخارج، بات اليوم يواجه تحديات كبرى. تبني نصرالله لمفهومي "وحدة الساحات" و"حرب الإسناد" لدعم غزة جلب على لبنان تحديات جديدة، بما فيها التصعيد الإسرائيلي.
إسرائيل، التي تعتبر نصرالله هدفًا رئيسيًا في استراتيجيتها للاغتيالات، لم تتوقف عن استهدافه سياسيًا وعسكريًا. رغم ذلك، لم يدرك قادة السلطة في لبنان هذا التحول الخطير. فهم ما زالوا يرفضون إجراء الإصلاحات اللازمة لبناء دولة قادرة على مواجهة التحديات، متمسكين بسياسات فاشلة ساهمت في تعميق الأزمة.
نتنياهو وتهديدات التدمير الشامل
في ظل حالة الشلل السياسي والعسكري في لبنان، أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تهديدات صريحة بتدمير لبنان بالكامل، على غرار ما حصل في غزة، إذا لم يقف اللبنانيون ضد حزب الله. هذه التهديدات تعكس تدهور الوضع الأمني في لبنان وغياب الجيش والدولة القوية القادرة على فرض وقف لإطلاق النار.
الوضع يزداد سوءًا مع ظهور مجموعات مسلحة داخل الطوائف المختلفة، التي قد تخرج عن سيطرة قياداتها، مما يزيد من احتمال نشوب اقتتال داخلي قد يعمق الانقسامات. هذا المشهد يهدد بإعادة لبنان إلى سنوات الحرب الأهلية التي كادت أن تدمر البلاد بالكامل.
لبنان أمام مفترق طرق: الإصلاح أو الانهيار
أمام هذا الواقع المرير، يبدو أن الشعب اللبناني أمام خيارين لا ثالث لهما: إما التوحد حول مصلحة لبنان العليا وإصلاح النظام السياسي والإداري، أو مواجهة المزيد من الانهيار. التساؤلات حول قدرة الطبقة الحاكمة على إجراء التغييرات الضرورية لا تزال مطروحة، في حين أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد يزداد سوءًا يومًا بعد يوم.
السؤال الأكبر هنا: هل يمكن الاعتماد على القادة السياسيين في لبنان، الذين فشلوا مرارًا وتكرارًا في وضع مصلحة البلد فوق مصالحهم الشخصية؟ أم أن الأزمة ستتفاقم أكثر مع تعنت الأطراف المحلية والإقليمية؟
دور المجتمع الدولي: هل من حلول قريبة؟
لا يمكن تجاهل دور المجتمع الدولي في تحديد مسار الصراع في لبنان. سواء من خلال العقوبات المفروضة على شخصيات سياسية أو عبر محاولات الوساطة، يبدو أن هناك اهتمامًا دوليًا بمحاولة حل الأزمة. ومع ذلك، هذه الجهود تبدو غير كافية حتى الآن لإحداث تغيير حقيقي على الأرض.
في النهاية، يبقى مستقبل لبنان غامضًا. الخطر الأكبر هو استمرار الانقسام الداخلي والتأثيرات السلبية للصراعات الخارجية على أرضه، مما قد يجر البلاد إلى المزيد من الانهيار والفوضى. الشعب اللبناني، الذي عانى طويلًا من تبعات الحروب والفساد، بات اليوم بحاجة إلى قيادة تتسم بالشجاعة والحكمة لانتشاله من هذا المستنقع.
لبنان يقف الآن على حافة الهاوية؛ إما أن يتخذ قادته القرارات الصائبة لإنقاذ البلاد أو أن يستمر في الانزلاق نحو مصير مجهول، تحت رحمة القوى الخارجية والتوترات الداخلية.