مجمّع الشفاء الطبي في غزة تحت الحصار ومنظمة الصحة العالمية تشيد بعامليه
ما زال مجمّع الشفاء الطبي في مدينة غزة محاصراً، لليوم الرابع على التوالي، من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي التي تستهدفه بقذائفها في حين أنّ قنّاصتها يرصدون كلّ من يتحرّك في مجاله. وقبل ذلك، كانت المقاتلات الإسرائيلية قد شنّت غارات عليه في أوقات متفرّقة.
وعلى الرغم من هذا الحصار المطبق، ووصول القوات الإسرائيلية إلى بواباته اليوم، فإنّ مجمّع الشفاء الطبي الذي يُعَدّ أكبر مستشفيات غزة ما زال صامداً بفعل صمود الطواقم العاملة فيه، الأمر الذي تشيد به جهات مختلفة.
وفي هذا الإطار، أشادت منظمة الصحة العالمية بالعاملين في مجمّع الشفاء الطبي الواقع في شمال قطاع غزة، اليوم الثلاثاء، لبذلهم "كلّ ما في وسعهم" من أجل رعاية المرضى، وذلك على الرغم من محاصرتهم واستهدافهم من قبل القوات الإسرائيلية
وتفاقم الوضع في الأيام الأخيرة، إذ حاصرت قوات الاحتلال مجمّع الشفاء الطبي بعد توغّلها البريّ في شمال قطاع غزة. يأتي ذلك مع نفاد احتياطي الوقود في المستشفى وبالتالي انقطع التيار الكهربائي، الأمر الذي أجبر الطاقم الطبي على فصل المرضى وكذلك المواليد الخدّج عن الأجهزة الداعمة للحياة، وهو ما أدّى إلى وفيات عدّة بين هؤلاء.
يُضاف إلى ذلك عدم توفّر المياه والغذاء، في حين يستقبل المستشفى أعداداً كبيرة من النازحين الذي هُجّروا من بيوتهم بفعل العدوان الإسرائيلي المتواصل، إلى جانب تكدّس جثث الشهداء في ساحات المستشفى.
ويبرّر الاحتلال محصارته مجمّع الشفاء الطبي واستهدافه بادّعائه أنّ مقرّاً لحركة حماس يقع تحت مباني المستشفى، في حين تنفي الحركة ذلك وكذلك الطواقم الطبية وجهات أخرى.
وأكّدت هاريس أنّ "جميع الموجودين في مجمّع الشفاء الطبي هم في وضع مأساوي جداً"، مشيرة إلى أنّه "يتوجّب علينا، أينما كنّا في العالم، أن نجد طريقة لمساعدة هؤلاء". أضافت أنّ "الطريقة الفضلى هي في وقف الأعمال القتالية فوراً، والتركيز على إنقاذ الأرواح وليس إزهاقها".
وقالت المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية مارغريت هاريس في جنيف: "نعلم أنّه لا يتوفّر ما يكفي من غذاء، وأنّ العاملين هناك يعانون للحصول على أيّ مياه نظيفة لأنّ خزانات المياه الخاصة بالمستشفى دُمّرت، لكنّهم ما زالوا يبذلون كلّ ما في وسعهم لتقديم الرعاية الطبية للمرضى".
أضافت هاريس: "ما زلنا، في الواقع، نرى أنّ مجمّع الشفاء الطبي يعمل بفضل الجهود البطولية التي يبذلها العاملون فيه".
وبدأ مجمّع الشفاء الطبي يعاني منذ بداية الحرب التي تشنّها القوات الإسرائيلية على قطاع غزة وأهله منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. فالاحتلال أطبق حصاره على القطاع، ومنع عنه الدواء والغذاء والمياه والوقود، بالتالي لم يعد المستشفى يحصل على الإمدادات اللازمة من مستلزمات ومعدّات طبية وأدوية ووقود لتشغيل مولدات الكهرباء.
وأوضحت المتحدّثة باسم منظمة الصحة العالمية، أنّ مجمّع الشفاء الطبي يستقبل اليوم نحو 700 مريض وجريح وأكثر من 400 فرد من الطواقم الصحية والطبية ونحو ثلاثة آلاف نازح. وأشارت إلى أنّه تمّ الإبلاغ عن وفاة 20 مريضاً في الساعات الثماني والأربعين الأخيرة (حتى تصريحها)، في حين أنّ الوضع قد يكون أسوأ بكثير.
وبحسب هاريس، فإنّه "بطريقة أو بأخرى، يُصار إلى إغفال حقيقة أنّ المستشفى لا بدّ من أن يكون ملاذاً آمناً؛ مكاناً يلجأ إليه الناس لتلقّي العلاج في وقت الضيق أو الحاجة". وتابعت "يبدو أنّ ثمّة اتجاهاً إلى تحويله (مجمّع الشفاء الطبي) إلى أماكن للموت واليأس والخطر، وهو ما لا ينبغي أن يحدث أبدا".
وعلى الرغم من الانتهاك الفاضح الذي يتعرّض له مجمّع الشفاء الطبي، ينفي الاحتلال أنّه يحاصره، مدّعياً أنّ قواته تسمح بخروج من في داخله. لكنّ الطواقم العاملة فيه تشدّد على أنّ هذا غير صحيح، مؤكدة أنّ من يحاول المغادرة يتعرّض لإطلاق النار.
بدوره، قال مدير مجمّع الشفاء الطبي محمد أبو سلمية في تصريح إعلامي، اليوم الثلاثاء، إنّ أيّ شخص يتحرّك في محيط المستشفى أو في ساحاته يتعرّض لإطلاق نار.
وكانت منظمة أطباء بلا حدود قد أكدت ذلك، من جهتها، أمس الاثنين، من خلال شهادات عدّة لأطباء وممرّضين عاملين تابعين لها، إمّا محاصرين في داخل مجمّع الشفاء الطبي، وإمّا في أحد مراكز المنظمة القريبة من المستشفى.
في سياق متصل، أفادت "أطباء بلا حدود"، اليوم الثلاثاء، بأنّ واحداً من مراكزها الثلاثة الواقعة في جوار مجمّع الشفاء الطبي تعرّض لإطلاق رصاص من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي التي تحاصر المستشفى. وقد بيّنت أنّ تلك المراكز تؤوي أفراداً من فريق عملها وعائلاتهم، وقد قدّرت عددهم بأكثر من 100 شخص، من بينهم 65 طفلاً. وأشارت إلى أنّ المياه والغذاء نفدا لدى هؤلاء.
نقل مرضى مجمّع الشفاء الطبي "مستحيل"
من جهة أخرى، حذّرت منظمة الصحة العالمية من أنّ نقل المرضى الأكثر عرضة للخطر من مجمّع الشفاء الطبي "مهمّة مستحيلة".
وكان الاحتلال الإسرائيلي قد أصدر، منذ الأيام الأولى من حربه على غزة، أوامر متتالية لإدارات مستشفيات شمالي قطاع غزة، لا سيّما مجمّع الشفاء الطبي، من أجل إخلاء مقرّاتها ونقل مرضاها إلى الجنوب. وهو الأمر الذي اعترضت عليه الأمم المتحدة ووكالاتها وكذلك منظمات دولية عدّة، لدرجة أنّ إجلاء المرضى وُصف بأنّه "حكم إعدام" يُنفَّذ في حقّ هؤلاء.
وفي نهاية الأسبوع الماضي، ندّدت البعثة الإسرائيلية لدى الأمم المتحدة في جنيف بالانتقادات التي وجّهتها منظمة الصحة العالمية ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) واللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى سلطات الاحتلال، في ما يخصّ أوامرها بإخلاء مجمّع الشفاء الطبي، المستشفى الرئيسي في قطاع غزة، من المرضى والنازحين.
بالنسبة إلى البعثة الإسرائيلية، فإنّ "المجتمع الدولي كان في إمكانه تسهيل نقل المرضى، لكنّه لم يقم بأيّ شيء، باستثناء توبيخ إسرائيل وإعطاء (حركة) حماس بطاقة مرور مجانية".
لكنّ منظمة الصحة العالمية أوضحت أنّ نقل المرضى الأكثر ضعفاً سوف يؤدّي حتماً إلى حالات وفاة. وفي هذا الإطار، شرحت هاريس أمام الصحافيين في جنيف أنّ "السبب الذي دفعنا إلى القول إنّه من غير الممكن إجلاء الناس هو قبل كلّ شيء (...) أنّ من هم في المستشفيات معرّضون للخطر بصورة كبيرة. إنّهم يعانون من المرض الشديد. لذا فإنّ نقلهم مهمّة مستحيلة".
أضافت المتحدّثة باسم المنظمة أنّ ذلك تنفيذ ذلك سوف يكون أشبه بـ"الطلب من الأطباء والممرّضين نقل أشخاص على الرغم من معرفتهم المسبقة بأنّ الأمر سوف يقتلهم". وسألت: "ولم أنتم في حاجة إلى نقلهم؟ لا يجب أن يتعرّض أيّ مستشفى للهجوم إطلاقاً. المستشفى ملاذ آمن. إنّه أمر متّفق عليه بموجب القانون الإنساني الدولي".
بدورها، أفادت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في تدوينة على منصة "إكس"، بأنّ "المستشفيات محميّة بسبب وظيفتها المتمثلة بإنقاذ حياة المصابين والمرضى"، بموجب القانون الإنساني الدولي. وشدّدت على أنّه في حين يمكن للمستشفيات أن تخسر هذه الحماية وسط ظروف محدّدة، إلا أنّ ذلك "ليس رخصة مفتوحة للقتل".
وبينما يدّعي الاحتلال بأنّه لا يستهدف مجمّع الشفاء الطبي كمستشفى، بل هو أمر سكان شمالي غزة جميعاً بالانتقال إلى جنوبي القطاع، تبيّن هاريس أنّ ثمّة نقصاً في إمكانيات الرعاية الصحية في الجنوب، إذ إنّ الجزء الأكبر من الرعاية الصحية، خصوصاً للحالات الأكثر تعقيداً، كان يُوَفَّر في الشمال.
كذلك لفتت المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية إلى أنّ المستشفيات لم تعد قادرة على استقبال مرضى جدد. وقالت إنّ "نقل المرضى من الشمال قد يؤدّي إلى مقتلهم... أين تضعونهم؟". وتابعت أنّ "ثمّة أسباباً واضحة جداً تجعل من ذلك أمراً غير قابل للتطبيق بأيّ شكل من الأأشكال".