جدل إسرائيلي حول قانون الحكم بالإعدام
اليمين المتطرف يتهم عائلات الأسرى بالتحول إلى أداة بأيدي «حماس»
على خلفية البحث في سن قانون جديد يقضي بالحكم بالإعدام على المسلحين الفلسطينيين، شهد الكنيست (البرلمان)، الاثنين، مداولات صاخبة قام فيها نواب اليمين المتطرف في الائتلاف الحاكم بالصراخ على ممثلي عائلات الأسرى الإسرائيليين والأجانب لدى «حماس»، واتهامهم بالتحول إلى «أداة بأيدي منظمة الإرهاب الفلسطينية التي تريد محو إسرائيل».
وقد خرج العديدون من ممثلي عائلات المخطوفين ببكاء مرير من الجلسة وهم يتهمون الحكومة بإهمال أبنائهم الأسرى، ووضع قضيتهم في قاع سلم الاهتمام، وعدم الاكتراث لمشاعرهم كبشر قلقين على أحبائهم الأطفال والنساء والمسنين والمرضى. وقالوا إن مجرد طرح هذا القانون يدل على استخفاف بحياة كل أسير وأسيرة.
ومعروف أنه يوجد في إسرائيل قانون يتيح للمحكمة العسكرية إصدار حكم بالإعدام على شخص بتهمة القتل في ظروف فظيعة واستثنائية على خلفية أمنية، مما يعني أن لا حاجة لقانون آخر. وقد تم استخدام هذا القانون مرة واحدة لإعدام الضابط النازي أدولف آيخمان في سنة 1962، بعد إدانته بتهمة هندسة جرائم الإبادة النازية لليهود والمسؤولية الشخصية عن قسم كبير من هذه الجرائم. وقد طالب اليمين المتطرف بأن يكون أول قانون تسنه الحكومة الجديدة هو قانون يوسّع استخدام حكم الإعدام على الفلسطينيين. وفي مطلع شهر مارس (آذار) الماضي، طرحت «كتلة الصهيونية الدينية» بقيادة إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموترتش، مشروع قانون أولياً، ينص على «إيقاع عقوب الموت بحق كل شخص يتسبب عن قصد، أو بسبب اللامبالاة، في وفاة مواطن إسرائيلي بدافع عنصري أو كراهية ولإلحاق الضرر بإسرائيل».
وقد قُدّم القانون باسم النائبة في الكنيست عن الحزب ذاته، ليمور سون هار مليخ، بشكل متعمد، بوصفها أرملة شخص قُتل في عملية مسلحة. وقد حكم على القاتل بالسجن 7 مؤبدات، ثم أفرج عنه ضمن «صفقة شاليط»، سوية مع 1027 أسيراً فلسطينياً. وقالت ليمور إنها تريد أن يحكم بالإعدام على أمثاله حتى لا يتكرر مشهد إطلاق سراح أسرى كهؤلاء.
لكن الخبراء الأمنيين لم يتيحوا المجال أمام التقدم بسن مثل هذا القانون، مؤكدين أولاً أنه لا يشكل رادعاً للفلسطينيين. فمن يأتي لتنفيذ عملية مسلحة يكون قد أجرى حساباته ولا يخاف من الموت، بل يعرف أنه سيتحول إلى ما يشبه الرمز في نظر شعبه. بينما إسرائيل ستُحسب على الدول التي تمارس حكم الإعدام في عالم يقوده الغرب ويتخلى عن هذا الحكم.
إلا أن حزب بن غفير، الذي ينظر إليه اليوم كحزب فاشل لم يحقق شيئاً سوى التسبب بالأذى لسمعة إسرائيل، فقرر انتهاز فرصة الحرب على غزة وأجواء الكراهية السائدة ضد «حماس» والفلسطينيين، لطرح موقف شعبوي آخر يضعه في العناوين. لذلك بادر إلى بدء مداولات حول القانون، من دون أن يكون هناك اتجاه لخطوات عملية. إذ إن قانوناً كهذا يحتاج إلى بحث في المجلس الوزاري الأمني المصغر. والحكومة قررت ألا تطرحه. ولذلك قرر رئيس لجنة الأمن القومي في الكنيست، النائب عن حزب «عوتسما يهوديت»، تسفيكا فوغل، إجراء البحث كخطوة تمهيدية فقط قبل إحالته للتصويت عليه في قراءة أولى.
وقد اعترض «منتدى أسر الرهائن والمفقودين» الإسرائيليين في قطاع غزة، على هذا البحث، وأعرب عن معارضته إجراء أي مناقشة للمشروع، لأن ذلك سيعد استفزازاً لـ«حماس» قد يدفع ثمنه الأسرى. وجاء في بيان مقتضب صدر عنهم أن «هذا البحث في هذا الوقت بالذات يعرض حياة أحبائنا للخطر بما يتجاوز المخاطر التي تهددهم بالفعل، وهذا دون تعزيز أي هدف أو منفعة عامة». وعندما رفض رئيس اللجنة موقفهم، قرروا إرسال وفد عنهم لحضور الجلسة. وقد حضروا وهم يحملون صور الرهائن وتوسلوا لأعضاء الكنيست تأجيل الجلسة. وشهدت الجلسة مشادات حادة ونقاشات صاخبة، وراح النائب ألموغ كوهين (عن حزب «عوتسما يهوديت») الذي يتزعمه إيتمار بن غفير، يصرخ في وجه ذوي الرهائن ويتهمهم بأداء دور يخدم «حماس» ويجعلهم أداة بأيديها ضد دولة إسرائيل. وانضم إليه نواب آخرون من اليمين قائلين لعائلات الأسرى: «لا تحتكروا الحزن» و«أنتم لستم مفوضين بألم الناس» و«كلنا دفنّا أصدقاء وأحباء»، مشددين على ضرورة المضي قدماً في إجراءات تشريع القانون الذي يعد جزءاً من الاتفاقات التي جرى توقيعها لإبرام صفقة تشكيل الائتلاف الحكومي بين «الليكود» و«عوتسما يهوديت».
وكشفت «القناة 13» الإسرائيلية أن مجلس الأمن القومي التابع لمكتب رئيس الحكومة كان من المقرر أن يعقد جلسة بالتزامن مع جلسة لجنة الأمن القومي في الكنيست، غير أن المسؤولين في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي قرروا إرجاء الجلسة «بحسب المخاوف من المساس بالرهائن في غزة وغيرها من الأسباب الأمنية».
وقال وزير التعليم الإسرائيلي، يوآف كيف، من حزب «الليكود» في منشور على منصة «إكس»، إن «قانون إعدام المخربين لن يمر الآن، هذا واضح للجميع. المشاهد من الكنيست تضر بالمجهود الحربي، خصوصاً بعائلات وذوي الأسرى الذين يمرون بأصعب فترة في حياتهم. توقفوا على الانخراط في الأمور السياسية التافهة».
وعبّرت المستشارة القضائية للحكومة، غالي بهاراف ميارا، عن معارضتها لمشروع قانون الإعدام، وأوصت بأن يجري التداول بشأنه في المجلس الوزاري للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت). وعقّب مركز «عدالة» القانوني على هذه المداولات بالقول إنه بهذا القانون «تثبت الحكومة مرة بعد أخرى أنها عنصرية ومتطرفة ضد الفلسطينيين حصراً، وتنتهك حقوق الإنسان بشكل جارف، وأنها تعمل على تعزيز وجود نظامين قضائيين مختلفين على أساس العرق، واحد لليهود وآخر للفلسطينيين».
وشدد «عدالة» على أن «مشروع القانون هذا غير أخلاقي، ويناقض القانون الدولي وقوانين الأساس، ويندرج في إطار التشريعات التي تهدف إلى تعزيز نظام مع ملامح (أبارتهايد)».