إنستغرام وفيسبوك تواصلان قمع الأصوات الفلسطينية

إنستغرام وفيسبوك تواصلان قمع الأصوات الفلسطينية

علقت منصة إنستغرام، المملوكة لشركة ميتا، حساب الناشط الأميركي شون كينغ الذي يعتبر من الأصوات البارزة الداعمة للقضية الفلسطينية، وذلك في إطار جهود المنصة لإسكات الأصوات المنددة بالعدوان الإسرائيلي على غزة.

في الوقت نفسه، تحدث الصحافي معتز عزايزة عن تلقيه تحذيرات متواصلة من إدارة "إنستغرام"، تطالبه بتعديل أو حذف المحتوى الذي ينشره، وكله تغطية للمجازر التي ترتكبها القوات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين في غزة، بحجة أنها "تخالف القواعد المتعلقة بالعري والنشاط الجنسي".

كما تعذر الدخول إلى حساب الكاتب والشاعر والناشط الفلسطيني محمد الكرد لساعات، على منصة إكس (تويتر سابقاً)، قبل أن يعلن عودته اليوم الاثنين، من دون تفاصيل إضافية. وربط الحجب المؤقت لحساب الكرد بحملة القمع التي تشنها منصات التواصل على الأصوات الفلسطينية.

"ميتا" تقمع صوت فلسطين على "إنستغرام" و"فيسبوك"

ما يتعرض له كينغ والعزايزة ليس إلا تأكيداً على الاتهامات التي تواجهها "ميتا"، مالكة "فيسبوك" و"إنستغرام"، باستهدافها الأصوات المتعاطفة مع الفلسطينيين. وفي هذا السياق، اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش شركة ميتا بأنها "تعمل على إسكات" الأصوات المؤيدة للفلسطينيين على منصتيها "فيسبوك" و"إنستغرام" منذ بداية العدوان الإسرائيلي.

وأشارت المنظمة التي تتخذ مقراً في نيويورك، في تقرير صدر الخميس الماضي، إلى أن "سياسات وممارسات "ميتا" تعمل على إسكات الأصوات الداعمة لفلسطين وحقوق الإنسان الفلسطيني على "إنستغرام" و"فيسبوك"، في موجة من الرقابة المشددة على وسائل التواصل الاجتماعي".

وقالت المديرة بالإنابة لقسم التكنولوجيا وحقوق الإنسان في "هيومن رايتس ووتش" ديبورا براون إن "الرقابة التي تفرضها شركة ميتا على المحتوى الداعم لفلسطين تزيد الطين بلة، في وقت تخنق أصلاً الفظائع والقمع الذي يفوق الوصف قدرة الفلسطينيين على التعبير".

وأضافت براون أن رقابة "ميتا" ساهمت في محو معاناة الفلسطينيين. وأردفت: "بدلاً من الاعتذارات التي عفا عليها الزمن والوعود الفارغة، يجب على "ميتا" أن تظهر أنها جادة في معالجة الرقابة الكاملة المتعلقة بفلسطين، من خلال اتخاذ خطوات ملموسة نحو الشفافية والتحسين".

وكان مجلس الرقابة المستقل في "ميتا" قد انتقدها، الثلاثاء الماضي، لإزالتها منشورات تظهر المعاناة الإنسانية جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل.

وأشارت "هيومن رايتس ووتش" إلى "الرقابة المنهجية على الإنترنت"، بعدما راجعت أكثر من 1050 "عملية إزالة وغيرها من أشكال قمع المحتوى" على "إنستغرام" و"فيسبوك" من أكثر من 60 دولة، خلال أكتوبر ونوفمبر/ تشرين الثاني الماضيين. ولفتت المنظمة إلى أن المحتوى الذي تعرض للرقابة نشره "فلسطينيون ومؤيدون لهم، وتناول عدد من منشوراتهم انتهاكات لحقوق الإنسان".

ونبهت المنظمة إلى أنه "بينما تبدو هذه أكبر موجة من قمع المحتوى المتعلق بفلسطين حتى الآن، فإن لدى ميتا، الشركة الأم لـ "فيسبوك" و"إنستغرام"، سجلاً موثقاً جيداً من حملات القمع واسعة النطاق للمحتوى المتعلق بفلسطين".

وأكدت تواصل تلقيها بلاغات عن التعرض للرقابة، بعد أن أكملت تحليلها، "ما يعني أن العدد الإجمالي للحالات التي تلقتها تجاوز بكثير 1050 حالة". وأفادت "هيومن رايتس ووتش" بأنه من بين 1050 حالة راجعتها، تضمنت 1049 حالة "محتوى سلمياً لدعم فلسطين حُظر أو قُمع بشكل غير مبرر، في حين تضمنت حالة واحدة إزالة محتوى يدعم إسرائيل".

وأوضحت أن الرقابة في "إنستغرام" و"فيسبوك" شملت إزالة منشورات وتعليقات، وتعليق الحسابات أو تعطيلها، وتقييد ميزات معينة، من بينها قدرة المستخدمين على التفاعل مع المنشورات، أو متابعة حسابات معينة، فضلاً عن الحد من رؤية محتوى المستخدمين. ولفتت المنظمة الحقوقية إلى أن منشورات لها تعرضت أيضاً إلى قيود، فقد أبلغ عشرات المستخدمين عن تعذر إعادة نشر أو الإعجاب أو التعليق على منشور لها "يدعو إلى تقديم أدلة على الرقابة على الإنترنت".

وأضافت: "يجب على ميتا أن تسمح بالتعبير المحمي على منصاتها، بما في ذلك ما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان والحركات السياسية".

"ميتا" تستهدف المحتوى الفلسطيني

في 19 أكتوبر، اعتذرت "ميتا" بعد إدراج كلمة "إرهابي" في السيرة الذاتية لبعض مستخدمي "إنستغرام" من الفلسطينيين، وزعمت أنه خطأ في ميزة الترجمة التلقائية. هذا "الخطأ" المزعوم طاول حسابات مستخدمين كتبوا كلمة فلسطيني بالإنكليزية في المساحة المخصصة للتعريف عن أنفسهم عبر حساباتهم على "إنستغرام"، وأولئك الذين استخدموا الرمز التعبيري لعلم فلسطين، وكل من كتب "الحمد لله" باللغة العربية.

بعد الانتقادات التي واجهتها "ميتا"، أكدت أنها حلّت "المشكلة"، وقال متحدث باسمها لصحيفة ذا غارديان أستراليا: "أصلحنا مشكلة تسببت لفترة وجيزة في ظهور ترجمات عربية غير مناسبة في بعض خدماتنا. نحن نعتذر بشدة عن حدوث ذلك". وادعت لاحقاً أن الحد من الوصول إلى محتوى معين خلال الأسبوع الحالي لم يقتصر على المنشورات المتعلقة بإسرائيل وغزة.

وجاءت ادعاءات "ميتا" رغم أنها كشفت أنه خلال الأيام الثلاثة التي أعقبت بدء عملية طوفان الأقصى، في 7 أكتوبر، حذفت أو غطت برسائل تحذيرية نحو 795 ألف رسالة باللغتين العربية والعبرية. ومعظم المحتوى المستهدف هو ذلك المؤيد للفلسطينيين والمدين لوحشية الاحتلال الإسرائيلي. هذا الانحياز دفع الخبير في منصات التواصل الاجتماعي، التونسي أحمد قوبعة إلى الاستقالة من عضوية هيئة القادة في الشرق الأوسط وأفريقيا التابعة لـ"ميتا".

صحيح أنه من الصعب إثبات تقييد وصول المحتوى والحدّ من ظهوره أمام آخرين، وهو ما يسمى shadow-banning، لكن المستخدمين في أنحاء العالم كافة أكدوا أن أي منشورات ذات محتوى فلسطيني، أو تشير إلى غزة، تحصل على عدد مشاهدات وتفاعل منخفض على نحو غير معتاد. في بعض الحالات، لم يُسمح لمستخدمي "إنستغرام" بالتعليق على منشورات أخرى.

إلى جانب إسرائيل في كل عدوان

سبق أن اتُهمت "ميتا" بقمع الأصوات الفلسطينية، وأكد تقرير مستقل حدوث ذلك، وتحديداً خلال العدوان الإسرائيلي على غزة في مايو/ أيار 2021.

أعدّت التقرير شركة الاستشارات المستقلة بزنس فور سوشال ريسبونسيبيليتي (بي إس آر)، بتكليف من "ميتا"، وركز على الرقابة التي فرضتها الشركة والاتهامات بالتحيز التي وجهت لها خلال هبّات الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال عام 2021.

وجاء في التقرير الذي نشر العام الماضي: "يبدو أن الإجراءات التي اتخذتها ميتا في مايو 2021 كان لها تأثير سلبي على حقوق الإنسان، وتحديداً على حق المستخدمين الفلسطينيين بحرية التعبير والتجمع والمشاركة السياسية وعدم الخضوع للتمييز، وبالتالي على قدرتهم على مشاركة المعلومات ورؤيتهم للتجارب التي عاشوها في وقت حدوثها".

شن الاحتلال حينها حملة قمع وحشية وعنيفة استهدفت الفلسطينيين الذين تصدوا لمحاولات الإخلاء القسري في حي الشيخ جراح في القدس المحتلة، ثم أطلق عدواناً على قطاع غزة، أسفر عن استشهاد العشرات.

وفقاً للتقرير نفسه، حذفت "ميتا" حينها منشورات بالعربية حول العدوان بمعدّل أعلى بكثير من حذفها المنشورات بالعبرية. وعزت شركة الاستشارات الاختلاف الكبير في التعاطي مع المنشورات الفلسطينية مقارنة بالإسرائيلية إلى نفس الأسباب التي كانت قد أشارت إليها مؤسسات حقوق الإنسان والمبلغون عن المخالفات والباحثون، وعلى رأسها النقص الفاضح في الخبرة.

ولا يواجه المستخدمون الفلسطينيون فقط خوارزمية تستثني الإسرائيليين، وهي تقنية لتحديد "الخطاب المعادي باللغة العربية" غير موجودة بالعبرية، بل يُستهدفون أيضاً بالنظام العربي المعتمد في "ميتا" الذي يبدو أنه لا يعمل كما يجب.