كيف يؤثر تباطؤ الصين على اقتصاد العالم؟
تشير تقديرات صندوق النقد الدولي، إلى أن الاقتصاد الصيني مرشح لمواصلة التباطؤ في السنوات المقبلة وحتى العام 2028، تحت وطأة العديد من العوامل المتزامنة؛ من بينها الأزمة المستمرة التي يعاني منها القطاع العقاري بالبلاد، علاوة على العوامل الخارجية المؤثرة بشكل مباشر وغير مباشر على حجم الطلب العالمي.
وبخلاف التحديات التقليدية التي يواجهها الاقتصاد الصيني، بما في ذلك ارتفاع المعدلات العمرية، يواجه ثاني أكبر اقتصاد في العالم ضعفاً في الإنتاجية بعد وتيرة تعافي لم تلب التطلعات جائحة كورونا، ومع تصاعد التوترات الجيوسياسية حول العالم، بدءاً من الحرب في أوكرانيا وما نتج عنها من ارتدادات اقتصادية وصولاً إلى اضطرابات البحر الأحمر المرتبطة بالحرب في غزة، وهي عوامل من شأنها الضغط على حركة التجارة العالمية، وبما يؤثر على الصادرات الصينية.
تقديرات صندوق النقد تشير إلى أن تراجع النمو الاقتصادي في بكين إلى 3.5 في المئة بحلول العام 2028 في ظل رياح غير مواتية جراء عاملي ضعف الإنتاجية وشيخوخة السكان، وسط حالة عدم اليقين الاقتصادي. بينما يتوقع الصندوق تسجيل الاقتصاد الصيني نمواً بنسبة 4.6 في المئة في العام الجاري 2024.
وفي العام الماضي 2023 سجلت الصين نمواً بنسبة 5.2 في المئة، طبقاً للبيانات الرسمية. فيما عرفت بكين تراجعاً نادراً منذ سنوات في إجمالي الصادرات، على وقع التوترات المختلفة، بما في ذلك توترات العلاقة مع أوروبا، والاضطرابات الجيوسياسية وتراجع الطلب العالمي.
معدلات النمو
تأتي تلك التقديرات بعد عامٍ سجلت فيه الصين التي يسكنها أكثر من 1.4 مليار نسمة أحد أبطأ معدلاتها للنمو، على وقع العوامل المذكورة ومن بينها أزمة القطاع العقاري الذي يعد من محركات الاقتصاد الرئيسية بينما يرزح تحت وطأة الديون منذ سنوات، فيما يشار إلى أزمة شركة "إيفرغراند" مع ديون تصل إلى 300 مليار دولار كعلامة لما يواجهه القطاع من صعوبات.
تمتد أزمة قطاع العقارات والعوامل المذكورة لتشكل تهديداً للنظام المالي الصيني بشكل عام، وبما يلقي بآثاره على الاقتصاد العالمي والأسواق الرئيسية، بما في ذلك أسواق النفط، لا سيما وأن بكين أكبر مشترٍ للنفط في العالم.
وبحسب أحدث بيانات صندوق النقد، فإن "استمرار التباطؤ في سوق العقارات من شأنه أن يهدد بإلقاء مزيد من الثقل على الطلب الفردي ويفاقم أزمة الثقة".
ورغم أن محللين يقللون من إمكانية أن تتسبب أزمات اقتصاد الصين -بوصفها محرك الازدهار الاقتصادي العالمي- في أزمة عالمية كبرى، معتبرين أن ذلك نوعاً من المبالغة، إلا أن التأثيرات المباشرة وغير المباشرة التي تقع على كاهل الشركات متعددة الجنسيات -ولا سيما الشركات التي تعتمد على الاستهلاك الصيني، وكذلك الأسواق التي تعتمد على وارداتها من بكين- علاوة على الاقتصادات ذات الارتباط المباشر بثاني أكبر اقتصاد في العالم، من شأنها أن تشر بمخاطر واسعة.
تأثيرات مباشرة
ويشار إلى أن الصين مسؤولة عن أكثر من ثلث النمو العالمي، وبالتالي فإن التباطؤ الاقتصادي من شأنه أن يسهم في تداعيات مباشرة على اقتصاد العالم في حدود هذه المساهمة وارتباطاتها بالاقتصادات الأخرى، وهو ما أكدت وكالة فيتش، بتقرير لها في آب (أغسطس) الماضي، عندما أفادت بأن التباطؤ الاقتصادي في الصين يلقي بظلاله على النمو العالمي، وذلك قبل أن تقلص توقعاتها لمعدلات النمو.
عوامل مثل تراجع الطلب الصيني وكذلك تباطؤ صادرات بكين والاستثمارات الصينية الخارجية، تشكل تحديات واسعة أمام اقتصاد العالم الذي يعاني حالة من عدم اليقين في ظل التوترات الآخذة في النمو.
وخلال العام الماضي 2023، واجهت صادرات الصين رياحاً غير مواتية، فقد سجلت تراجعات متتالية منذ نيسان (أبريل) وحتى تشرين الثاني (نوفمبر) قبل أن تسجل في هذا الأخير ارتفاعاً كان الأول بعد ستة أشهر من التراجعات، وبنسبة 0.5 في المئة، وفق بيانات الهيئة العامة للجمارك الصينية، في ظل الاضطرابات التي تعاني منها حركة التجارة العالمية وتراجع الطلب.
ويتزامن ذلك مع ارتفاع وتيرة سحب الاستثمارات من الصين من جانب عديد من الشركات، في ظل القيود المفروضة، ضمن العوامل التي تلقي بظلالها على اقتصاد البلاد. بينما على الجانب الآخر، تسعى السلطات الصينية، من خلال مجموعة من الحزم التحفيزية، إلى تنشيط الاقتصاد ومعالجة أوجه القصور التي تعتريه في ظل التحديات المتزامنة.