قرار مجلس الأمن الدولي بوقف الحرب على غزة بين مصالح بايدن الانتخابية وإلزام نتنياهو بالتطبيق!
لم يكن العالم بحاجة إلى أن ينتظر 171 يوماً على العدوان الإسرائيلي لحرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، حتى يُصدر مجلس الأمن الدولي، قراراً يدعو بوقف فوري لإطلاق النار على غزة.
فقد أغمض العالم عينيه، وصم أذنيه على ما اقترفه الاحتلال من جرائم حرب، وضد الإنسانية، وتمييز عنصري، وتطهير عرقي، ما دفعه إلى الإمعان بارتكاب المزيد من المجازر والتدمير، فسقط أكثر من 32 ألف شهيد، و10 آلاف مفقود، و74 ألف جريح، وتدمير وتضرر أكثر من 370 ألف وحدة سكنية، ومبنى ومدرسة ومُستشفى، ومسجد وكنيسة، ومقبرة، وأماكن أثرية ومراكز إيواء، فضلاً عن تهجير أكثر من مليوني شخص من أماكن تواجدهم إلى أخرى، بحثاً عن أمان، لكن همجية الاحتلال لاحقتهم بالقتل!
فقد جاء قرار مجلس الأمن الذي حمل الرقم 2728، في الجلسة التي عقدها يوم الاثنين في 25 آذار/مارس 2024، بتأييد 14 دولة وامتناع الولايات المُتحدة الأميركية عن التصويت.
تقدمت بمشروع القرار موزمبيق، باسم الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن: الجزائر، الإكوادور، كوريا الجنوبية، موزمبيق، غويانا، اليابان، مالطا، سيراليون، سويسرا وسلوفينيا، وهم الذين صوتوا لصالح القرار مع روسيا، الصين، بريطانيا وفرنسا.
وحدها الولايات المُتحدة الأميركية لم تستخدم حق النقض «الفيتو» كما في المرات الأربعة السابقة، فاكتفت في مشروع القرار هذا بالاعتراض من دون رفضه.
جاء ذلك، بعدما أجهض في مجلس الأمن، يوم الجمعة في 22 آذار/مارس 2024، مشروع قرار تقدمت به الولايات المتحدة الأميركية، منحاز لصالح الاحتلال الإسرائيلي.
تكمن أهمية قرار مجلس الأمن الرقم 2728، بالدعوة إلى وقف الحرب، وإن كانت بهدنة مُؤقتة، لكن على أمل أن تكوم بشكل دائم، ما يوقف آلة الحرب الإسرائيلية عن مُواصلة عدوانها وإجرامها.
وإن جاء مشروع القرار ضمن البند السادس - أي العمل بالوسائل المُمكنة لإجبار الأطراف المعنية على تنفيذه، ما يعني أنه لم ينتقل للعمل ضمن الفصل السابع، الذي يُجيز استخدام القوة العسكرية لتنفيذ قرارات المجلس.
وإن جاء هذا القرار وفق الفصل السادس، إلا أنه مُلزم للكيان الإسرائيلي أن ينفذه، لأن الفصل الخامس نص على التزام الدول الأعضاء في الأُمم المُتحدة بقرارات مجلس الأمن، والعمل على تنفيذها.
ووفق الفصل السادس الذي صدر بمُوجبه قرار مجلس الأمن، فإنه يُمكن استخدام الضغوطات المُمكنة، وبينها العقوبات المُتعددة الأوجه، اقتصادياً ومالياً، وضد أشخاص ودولة الكيان الإسرائيلي.
هنا تكمن الأهمية بالتنفيذ، وكيفية إلزام سلطات الاحتلال الإسرائيلي بذلك!!
فالرد الأول من الكيان الغاضب، كان بالاعتراض على القرار، وإلغاء رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، زيارة الوفد الأمني المُؤلف من: مُستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي وعضو مجلس الوزراء الإسرائيلي الحربي والمُستشار المُقرب لنتنياهو، ورون ديرمر، الذي كان في طريقه إلى واشنطن للقاء مسؤولين أمنيين أميركيين لاطلاعهم على خطة الحرب باقتحام رفح.
بينما بقيت زيارة وزير حرب الاحتلال يوآف غالانت إلى واشنطن قائمة للقاء وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، لأن الهدف منها هو الحصول على دعم عسكري أميركي لآخر الأسلحة والصواريخ والذخائر والطائرات، خاصة بعد نفاذ قسم كبير من مخزون جيش الاحتلال، والخطوط الجوية والبحرية بالأسلحة التي وصلته من الولايات المُتحدة الأميركية والعديد من الدول، نظراً إلى الكم الكبير لما استخدمه في عدوانه على قطاع غزة، والذي فاق 90 ألف طن من المُتفجرات.
لقد جاء عدم استخدام الولايات المُتحدة لحق النقض «الفيتو» بعد اتساع دائرة الخلافات بين الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس حكومة الاحتلال نتنياهو، الذي يعترض على قرارات الرئيس الأميركي.
تعود أسباب ذلك، إلى أن نتنياهو يُدرك تماماً أنه مع وقف عدوانه، سيكون أمام مُساءلة سياسية وقضائية، تضاف إلى ملفات الرشوة، الاحتيال وخيانة الأمانة، التي يُحاكم بها أمام القضاء - أي ما ينهي حياته السياسية وقد يدخله إلى السجن، خاصة أن استطلاعات الرأي لا تُعطيه وحلفائه اليمينيين المُتشددين أكثرية، في حال حصلت انتخابات «الكنيست» قريباً، ما يحرمه أي أمل برئاسة حكومة جديدة!
هي من المرات النادرة التي لا تستخدم فيها الولايات المتحدة الأميركية حق «الفيتو».
ما أجبر بايدن على ذلك، هو تمادي نتنياهو في عدوانه، بما لم يعد يحتمله الرئيس الأميركي، الذي بات يفقد الكثير من أصوات الناخبين المعترضة على موقفه الداعم للكيان الإسرائيلي في العدوان على غزة والضفة العربية والقدس.
فقد أثارت فداحة الجرائم، الرأي العام العالمي، ودفعت بالفلسطينيين واللبنانيين والعرب والمسلمين والمسيحيين، وحتى اليهود الذين يعترضون على إصرار نتنياهو على ارتكاب المجازر، والأميركيين، وبينهم جيل الشباب الذي رجح كفته في الانتخابات السابقة على منافسه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، إلى الاعتراف على سياسة بايدن والتصويت بأنه «غير ملتزم».
لهذا، فإن حسابات بايدن مرتبطة بالدرجة الأولى بسباق الانتخابات الرئاسية قبل 220 يوماً على موعد إجرائها!
فهل سيكون فيها مع الحق بمواجهة غطرسة نتنياهو، أم سيبقى داعماً للكيان الإسرائيلي، وإن كان على رأسه نتنياهو، التزاماً بإعلانه أنه «صهيوني»؟
هو ما ستجيب عنه الأيام المقبلة، خاصة أن التجارب السابقة بشأن عدم تنفيذ الكيان الإسرائيلي لقرارات مجلس الأمن كثيرة، في طليعتها القرارين 194 و242!
لقد استفاق العالم مؤخراً، ودعا إلى وقف الحرب، وتوفير الحماية للشعب الفلسطيني، وهو ما كان قد طالب به رئيس دولة فلسطين محمود عباس مرات عدة، خاصة من على منبر الأمم المتحدة، التي ما زال الاعتراض الأميركي فيها برفع تمثيل دولة فلسطين من عضو مراقب إلى دولة كاملة العضوية!