الطائف: فرصة مهدورة أم بوابة لاستعادة لبنان؟
بقلم الباحث والكاتب السياسي عبد الحميد عجم
على مدى عقود، مثّل اتفاق الطائف وعدًا تاريخيًا بإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية وبناء دولة حديثة قوية. جاء هذا الاتفاق ليعالج جذور الأزمة من خلال تحقيق التوازن السياسي، إنهاء الميليشيات المسلحة، وتعزيز سيادة الدولة. لكن، كما هو الحال في أغلب المبادرات الطموحة، اصطدم الاتفاق بواقع من التعقيدات، ليظل تطبيقه ناقصًا وسط أزمات متتالية كان آخرها الحرب المدمرة بين إسرائيل وحزب الله.
- الحرب: أرقام الكارثة
تشير التقديرات إلى أن الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحزب الله أودت بحياة 4000 قتيل وخلفت أكثر من 15,000 جريح. تسببت النزاعات في نزوح مليون شخص، ودمّرت البنية التحتية الحيوية في الجنوب والبقاع وأجزاء من بيروت، مع خسائر اقتصادية تُقدّر بنحو 20 مليار دولار. هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات؛ إنها كارثة إنسانية وسياسية واقتصادية تعكس مدى هشاشة الدولة اللبنانية أمام الصراعات.
- الأهداف المهدورة
إنهاء الميليشيات المسلحة: رغم أن تسليم السلاح كان شرطًا أساسيًا لتحقيق سيادة الدولة، فإن بقاء حزب الله مسلحًا خلق توازنًا هشًا يضعف الدولة أمام القوى الإقليمية والدولية.
بناء المؤسسات الأمنية: بقيت مؤسسات الجيش وقوى الأمن الداخلي عاجزة عن بسط سيطرتها على كامل الأراضي اللبنانية، مما جعل مناطق واسعة عرضة للفوضى أو النفوذ الخارجي.
التوازن السياسي: النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية لم يحقق استقرارًا، بل عزز الشلل المؤسسي.
- إحياء الطائف: خيار للبقاء
رغم الدمار، يبقى اتفاق الطائف قاعدة صالحة يمكن البناء عليها لإخراج لبنان من أزمته. لتحقيق ذلك، يجب اتخاذ خطوات شجاعة:
- إنهاء الهيمنة المسلحة خارج الدولة: لا يمكن استعادة الاستقرار دون حصر السلاح بيد الجيش اللبناني.
- إعادة بناء البنية التحتية: تتطلب معالجة الدمار برامج دولية ووطنية واسعة لإعادة إعمار الجنوب والمناطق المتضررة.
- دعم المؤسسات الأمنية: تأمين تمويل مستدام للجيش وقوى الأمن لإعادة ثقة الشعب بالدولة.
- إصلاح النظام السياسي: تجاوز الطائفية نحو بناء نظام يقوم على الكفاءة والعدالة.
- لبنان بين الماضي والمستقبل
أمام لبنان خياران: إما الالتفاف حول مشروع وطني يعيد بناء الدولة، أو الاستمرار في دوامة الفوضى. الطائف لم يكن مجرد وثيقة، بل حلم أمة. هل نملك الشجاعة لتحويل هذا الحلم إلي واقع؟