هل تقبل دول عربية بدور في «غزة بعد حماس»؟

هل تقبل دول عربية بدور في «غزة بعد حماس»؟

وسط سيناريوهات غربية... وتحفظات إقليمية

رغم استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة، فإن وتيرة الحديث عن مستقبل القطاع عقب وقف إطلاق النار بدأت في التزايد، لا سيما في ظل مطالب أميركية بـ«وقف مؤقت» للقتال، فضلاً عن رغبة واضحة لدى واشنطن في «ألا تُعاود إسرائيل احتلال قطاع غزة»، وهو ما تزامن مع زيارات أمنية ودبلوماسية لمسؤولين أميركيين بارزين إلى المنطقة، أفادت مصادر عدة بأنها «تضمنت طرحاً لأفكار تتعلق بمستقبل إدارة القطاع»، وبينها تصور لأدوار عربية في هذا الصدد.

وشدد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الأربعاء، على ضرورة ألا تُعاود إسرائيل احتلال قطاع غزة، بعد نهاية الحرب التي تخوضها حالياً ضد «حماس». وأضاف في تصريحات صحافية عقب اجتماع في طوكيو لوزراء خارجية دول «مجموعة السبع»، أن «الأمر الواقعي هو أننا ربما نحتاج إلى فترة انتقالية بعد انتهاء الصراع، لكن من الحتميّ أن يكون الشعب الفلسطيني هو مركز الحكم في غزة».

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال، الثلاثاء، إن إسرائيل ستتحمل «المسؤولية الأمنية الكاملة» في قطاع غزة لفترة غير محددة بعد حربها مع حركة «حماس».

إلا أن البيت الأبيض أصدر تعقيباً في اليوم ذاته، أعلن فيه أن الولايات المتحدة ستعارض إعادة احتلال الجيش الإسرائيلي لقطاع غزة في مرحلة ما بعد الصراع. وذكر المتحدث باسم الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي، أن «إسرائيل والولايات المتحدة صديقتان وليس عليهما الاتفاق على كل قضية»، حسبما نقلت «رويترز».

أفكار لما بعد الحرب

وكشف مصدر مطلع عن أن الأيام الثلاثة الماضية «شهدت طرح تصورات بشأن مستقبل إدارة قطاع غزة في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب»، مشيراً إلى أن تلك الأفكار تحدث بشأنها «أكثر من مسؤول غربي». وأوضح المصدر لـ«الشرق الأوسط» أن التركيز الآن «ينصب على إدخال المساعدات وتحقيق هدنة إنسانية»، وأن هناك «أفكاراً لما بعد الحرب تستحق الدراسة، لكن هناك أولويات إنسانية ضرورية حالياً». وشدد المصدر على أن «مستقبل القطاع يجب أن يكون جزءاً من حل شامل يرتكز على مبادئ ومقررات الشرعية الدولية وحل الدولتين».

وشهدت الآونة الأخيرة طرح العديد من الأفكار، سواء عبر تصريحات لمسؤولين وسياسيين إسرائيليين، أو عبر تسريبات لوسائل إعلام غربية؛ إذ اقترح زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لبيد، أن «تتولى السلطة الفلسطينية السيطرة على قطاع غزة بعد (حماس)»، في حين قال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك، إنه «قد يتعين على قوة عربية متعددة الجنسيات أن تسيطر على غزة بعد القضاء على (حماس)».

وبحثت دول عدة أوروبية قبل يومين خيار تدويل إدارة القطاع بعد الحرب، مقترحة «تشكيل تحالف دولي يدير غزة بالتعاون مع الأمم المتحدة»، حيث اقترحت وثيقة أعدتها ألمانيا ووزعتها على عدد من الدول الأوروبية، تولي «تحالف دولي تأمين غزة بعد الحرب، وتفكيك أنظمة الأنفاق وتهريب الأسلحة إلى القطاع، وتجفيف منابع دعم حركة (حماس) مالياً وسياسياً».

دور عربي انتقالي

أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأميركية في القاهرة، الدكتور طارق فهمي، أشار إلى أن الدور العربي «سيكون الأكثر حضوراً وترجيحاً في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية على غزة»، لافتاً إلى أن هناك حرصاً أميركياً واضحاً على إشراك «دول عربية فاعلة في مستقبل القطاع».

وأوضح فهمي لـ«الشرق الأوسط» أن سيناريو إقرار مرحلة انتقالية بعد وقف إطلاق النار «هو الأكثر احتمالاً»، مُرجحاً أن تمارس السلطة الوطنية الفلسطينية أدواراً في إدارة القطاع، في إطار «مقاربة بصيغة فلسطينية عربية مرحلية وبرعاية أميركية»، لافتاً إلى أن السلطة مسؤولة عن ممارسة الحكم وإدارة الأراضي الفلسطينية، ولم يحل دون ذلك سوى سيطرة «حماس» على القطاع عام 2007.

ولم يستبعد فهمي الاستفادة من أسلوب إدارة المناطق (ج) وفق اتفاق أوسلو، والتي تشرف على الأوضاع الأمنية فيها لجان فلسطينية - إسرائيلية مشتركة، مشيراً إلى أن توافد المسؤولين الأميركيين الدبلوماسيين والأمنيين «يعكس رغبة واشنطن في استجلاء المواقف وهندسة رؤية لليوم التالي لوقف إطلاق النار».

وخلال الأسبوع الماضي، زار بلينكن المنطقة، حيث التقى عدداً من وزراء الخارجية العرب في الأردن، كما التقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس في رام الله، كما زار مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) ويليام بيرنز، عدداً من دول المنطقة، بينها إسرائيل ومصر.

وخلال لقائه بالرئيس الفلسطيني، أشار بلينكن إلى أن ما وصفه بـ«أكثر حل منطقي» هو أن تتولى «سلطة فلسطينية فعالة ومنشَّطة» إدارة القطاع في نهاية المطاف، مؤكداً أن «دولاً أخرى ووكالات دولية من المرجح أن تلعب دوراً في الأمن والحكم في هذه الأثناء».

وأكد مسؤولون فلسطينيون أن بلينكن استمع إلى موقف فلسطيني واضح، وهو «رفض عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة على الدبابات الإسرائيلية»، وأن عودة السلطة إلى القطاع مرهون بـ«مقاربة شاملة للوضع في الضفة وغزة».

عودة السلطة

واعتبر سفير فلسطين الأسبق لدى مصر، بركات الفرا، الأفكار الغربية المطروحة بشأن حكم قطاع غزة في مرحلة ما بعد (حماس) «مجرد أفكار، وبعضها أوهام»، لافتاً إلى أن «(حماس) لن تخرج من القطاع، والسلطة لن تعود إليه على دبابة إسرائيلية».

وأضاف الفرا لـ«الشرق الأوسط» أن «حماس» حركة آيديولوجية «من الصعب اقتلاعها من غزة، حتى لو نجحت إسرائيل في ضرب بنيتها العسكرية»، مشيراً إلى أن الدول العربية «سترفض التورط في التدخل في القطاع؛ لأن هذا ما تريده إسرائيل والولايات المتحدة بأن تتخلص من مسؤولية القطاع»، مشدداً على أنه «لا بديل عن حل الدولتين، فغزة وقبلها القدس جزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية».

من جانبها، أعلنت حركة «حماس» رفضها تصريحات البيت الأبيض بشأن «العمل على توافق إقليمي دولي لإدارة غزة بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي».

الناطق باسم «حماس»، عبد اللطيف القانوع، قال في بيان عبر «تلغرام»، الأربعاء، إن «إدارة غزة أو جزء من أرضنا هو شأن فلسطيني خاص بشعبنا، ولن تنجح أي قوة على الأرض من تغيير الواقع أو فرض إرادتها». وشدد على أن «الشعب أفشل مخطط تهجيره وتصفية قضيته العادلة، ولن يسمح لأحد بتمرير مخططاته، ولا يزال ثابتاً مرابطاً على أرضه».

قوة أمنية لغزة

ووفق تقرير لصحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية نشرته مطلع الأسبوع الماضي، فإن هناك مساعي دبلوماسية لإقناع الدول العربية التي وقّعت اتفاقات سلام أو اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل بتوفير قوة أمنية لغزة أو الإشراف عليها، لكن ذلك «سيتطلب من بعض البلدان أو المنظمات تحمل المسؤولية الإدارية والإشراف على الأمن». وأشارت الصحيفة إلى أن «بعض الجيران العرب يترددون في القيام بدور في الحكم، خوفاً من أن يقوض ذلك هدفهم على المدى الطويل المتمثل في إقامة دولة فلسطينية مستقلة».

ورفضت مصر بحسم أي إجراءات تؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية، سواء عبر تهجير الفلسطينيين قسرياً من أراضيهم باتجاه سيناء، أو بتقسيم القطاع.

وأعلن رئيس الوزراء الأردني، الدكتور بشر الخصاونة، في تصريحات إعلامية، الأربعاء، أن الأردن «لن يرسل أي قوات عسكرية إلى غزة، ولن يقبل استبدال جندي أردني بالجندي الإسرائيلي»، وهو ما عده مراقبون رداً على المقترحات الأميركية بشأن مستقبل قطاع غزة بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية.

وأعرب المحلل السياسي الأردني، محسن الشوبكي، عن اعتقاده بصعوبة قبول الدول العربية المجاورة للأراضي الفلسطينية، وبالأخص الأردن ومصر، لأي أفكار تدعوها إلى الانخراط في أي إجراءات تتعلق بحكم القطاع، مشيراً إلى أن ذلك سيكون عملياً بمثابة «تورط في قبول مشاريع التهجير القسري لاحقاً للفلسطينيين»، إضافة إلى ما يمكن أن تتكبده تلك الدول من «أثمان سياسية وشعبية» إذا قبلت القيام بتلك الأدوار. ولفت الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إلى أن إسرائيل تريد نظاماً أمنياً يكفل لها التدخل وقتما تريد في القطاع، وفي الوقت ذاته تتخلص من الأعباء الاستراتيجية المتعلقة بإدارة غزة، وهو ما يراه أمراً «مرفوضاً عربياً».