«القرصنة الحوثية» تثير استياءً يمنياً وتعزّز المخاوف في البحر الأحمر
اتهامات لإيران بالمسؤولية... ودعوات لتحييد خطر الجماعة
أثارت حادثة قرصنة الجماعة الحوثية لإحدى السفن التجارية الدولية في البحر الأحمر استياءً واسعاً في الأوساط اليمنية؛ لجهة ما يمكن أن يجلبه هذا السلوك من مخاطر على اليمن والجوار الإقليمي، بما في ذلك استغلال هذه التطورات من قِبل الجماعة للتهرب من استحقاقات مساعي السلام.
وإلى جانب انعكاسات الحادثة المتوقعة على الصعيد الاقتصادي، وربما الأمني في البحر الأحمر؛ يعزز المراقبون اليمنيون الاتهامات لإيران بالوقوف خلف سلوك الحوثيين الذي تزعم الجماعة أنه يأتي نصرةً للفلسطينيين في غزة، وهو الشعار الذي يتهكم منه الشارع اليمني لجهة الخراب الذي تسببت فيه الجماعة منذ انقلابها بما في ذلك مقتل نحو 300 ألف يمني.
مسلّحان حوثيان يتطلعان إلى السفينة المقرصنة بعد رسوها في ميناء الصليف (إكس)
وكانت الجماعة الحوثية تبنّت الأحد قيامها بقرصنة سفينة «غلاكسي ليدر» المتجهة من تركيا إلى شرق آسيا، وهي تقلّ شحنة سيارات، واقتادتها إلى ميناء الصليف الخاضع لسيطرتها على البحر الأحمر، وهدّدت بعمليات مماثلة قالت: إنها ستستهدف السفن الإسرائيلية أو أي سفينة على صلة بتل أبيب.
وزعمت الجماعة أنها ستعامل طاقم السفينة وفقاً لتعاليم الإسلام، في حين نفت إسرائيل ملكيتها للسفينة، وقالت: إن ملكيتها بريطانية وإدارتها يابانية، كما نفت وجود أي فرد من مواطنيها على متنها، مع تحذيرها من خطورة الخطوة الحوثية على سلامة الملاحة الدولية في البحر الأحمر.
وضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بالتحذيرات من تهور الحوثيين، مع بيان المخاطر في حال تحول البحر الأحمر ساحةً للصراع المسلح، بما في ذلك الأثر الإنساني المتوقع على تدفق السلع والشحن وارتفاع التأمين، وانعكاس كل ذلك على معيشة اليمنيين المتدهورة في الأساس جراء الصراع الداخلي الذي فجّره الحوثيون.
«شوشرة» متوقعة
تعليقاً على الحادثة، يرى الباحث والمحلل السياسي اليمني عبد الستار الشميري، أنها كانت خطوة طبيعية ومتوقعة؛ لأن إيران لا تريد أن تورّط نفسها مباشرة في الدخول في عمليات حقيقية لدعم غزة.
وانطلاقاً من ذلك، يضيف الشميري في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن إيران تحرّك بعض مصداتها في العراق واليمن وغيرها لإحداث «شوشرة» لإسقاط الحجة بأنها تشارك في دعم غزة.
ويشير الشميري إلى ما يصفه بـ«الشوشرة» التي يقوم بها «حزب الله» اللبناني والحوثيون من إطلاق مسيّرات أو صواريخ معظمها وقعت في الأراضي المصرية، ويعتقد أنها ستُكرر، لكنه يجزم أنها «لا تقدم ولا تؤخر في القضية الفلسطينية، بل ستسهم ربما في الإضرار بها» ويؤكد أنها مجرد «رادار للسياسة الإيرانية التي تريد أن تقول إنها موجودة من خلال أذرعها».
ولا يستبعد أن تكون لهذا السلوك الحوثي نتائج سلبية على الصعيدين المحلي والإقليمي، ويقلل من أهمية عملية اختطاف السفينة، ويقول: «ماذا سيؤثر أن تقرصن سفينة أو سفينتين؛ فقد سبق للقراصنة الصوماليين أن اختطفوا عشرات السفن الغربية والأوروبية».
ويتهم إيران بأنها أرادت أن تدفع بالحوثيين للتنفيس عن الغضب المتصاعد ضد طهران، حيث إنها ورّطت «حماس» في هذه المعركة وأنها تخلت عنها، ويتوقع أن تدفع بالجماعة الحوثية للقيام بعمليات أخرى، سواء خطف سفن أو إطلاق صواريخ أومسيّرات أو تفجير ألغام بحرية، من باب حفظ ماء وجه إيران لا أقل ولا أكثر.
ويتوقع الشميري أن يكون للسلوك الحوثي انعكاسات على أمن البحر الأحمر والمصالح العربية واليمنية، أكثر منه على إسرائيل، التي لا يستبعد أن تستغل مثل هذه الحوادث لتستفيد منها من حيث تعزيز الخطاب القائل بأنها تواجه خطراً وجودياً.
تذكير بخطر الحوثيين
حادثة قرصنة السفينة التجارية من المياه الدولية في البحر الأحمر، يعتقد الباحث والأكاديمي اليمني فارس البيل، أنها جاءت لتذكر بخطر الجماعة الحوثية وتهديدها الملاحة منذ استيلائها على الحديدة، حيث تعاطى المجتمع الدولي مع هذه الحالة بشكل غير مسؤول، بل حالت أطراف دولية - وفق قوله - دون تحرير الحديدة والساحل كله عندما كانت القوات الشرعية قاب قوسين من تحريرها.
أما البعد الآخر، فهو بعد درامي؛ كما يقول البيل في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، حيث تريد إيران بعد أن انكشفت في أحداث غزة، وبانت عورة شعاراتها ضد إسرائيل ومع القضية الفلسطينية، القيام «بمناوشات عديمة الجدوى» عبر أذرعها، حيث إنها تتخذ من قضية فلسطين مطية للضحك على الشعوب العربية والمسلمة لتمرير مشروعها التوسعي.
ويضيف البيل: «كلما كانت أذرع إيران أبعد عن مسرح الحدث رفعت وتيرة الدراما أكثر، حيث يقوم الحوثي بهذا الدور بينما من يحيطون بإسرائيل من أذرع إيراني يبقى مستوى مناوشاتهم أقل».
هذه الحادثة يرى الأكاديمي اليمني، أنها يفترض أن تلفت المجتمع الدولي من جديد لخطر الحوثي على الأمن الدولي، أما ردات الفعل من قِبل إسرائيل أو أميركا فلن تكون عنيفة؛ لأنهما تدركان طبيعة هذا الفعل الإيراني وغاياته.
ويختتم حديثه بالقول: «ربما تحاول ميليشيا الحوثي بتوجيه من إيران أن تزيد من بعض الدراما العسكرية لتكسب الرأي العام، لكنها مكشوفة داخلياً وخارجياً، ولن يغسل جرائمها أي فعل تقوم به، فكيف وهو عديم الفائدة لفلسطين».
تهاون أميركي
في سياق حادثة قرصنة الحوثيين للسفينة الدولية، يرى الصحافي والمحلل السياسي اليمني محمود الطاهر، أنه أمر ليس بجديد سوى أنهم هذه المرة يتحدثون بذريعة حرب إسرائيل على غزة. ويقول الطاهر لـ«الشرق الأوسط»: «سبق وأن قرصن الحوثيون سفينة إماراتية، وسفناً أخرى، وستطال قرصنتهم سفناً لدول أخرى بسبب تهاون الولايات المتحدة الأميركية مع الحوثي، حيث ترى أنه يمكن أن يكون شريكاً في حكم اليمن رغم استحالة ذلك».
عملية القرصنة - يؤكد الطاهر - أنها تعبر عن حقيقة الجماعة الإرهابية، وأنها لا يمكن أن تلتزم بقوانين دولية أو محلية، ولا يمكن أن تندمج ضمن محيطها العربي، وأنها ستمضي قدماً لتنفيذ خطط إيرانية لإقلاق السلم والأمن الدوليين.
ولا يتوقع الطاهر أن يكون هناك أي تداعيات دولية إزاء الحادثة، لسبب بسيط وهو - وفق قوله - «أن الولايات المتحدة لا تريد ذلك بحجة أنها تسعى لإحلال السلام، وإحلال نظام بايدن للسلام في اليمن بحسب زعمه يتطلب مهادنة الحوثيين وعدم إزعاجهم أو معاداتهم؛ لذا ما يقوم به الحوثيون هو بتشجيع من نظام بايدن».
وفي حين يتوقع الطاهر أن تستمر جماعة الحوثي وبتوجيهات إيرانية في ارتكاب العمليات الإرهابية في البحر الأحمر وساحل الحديدة، يؤكد أن هذا يتطلب تحركاً من القيادة اليمنية لتحرير الشريط الساحلي بشكل كامل، ويحذّر من أنها إن لم تفعل ذلك «ستجد الحوثيين في باب المندب»، وفق تعبيره.