رغم التحدّيات... إنجاز طبي جديد في لبنان

رغم التحدّيات... إنجاز طبي جديد في لبنان

في ظلّ الأزمة الإقتصادية التي ضربت لبنان وطالت مختلف القطاعات فيه، واجه القطاع الصحي تحدّيات كثيرة، ومنها هجرة قسم كبير من الأطباء فيه. ومما لا شك فيه، أنّ الظروف القاسية التي مرّت فيها البلاد أثّرت أيضاً على صورة لبنان الذي لطالما اعتُبر "مستشفى الشرق"، بفضل الكفاءات الكبرى التي فيه، والإنجازات التي كان من الممكن تحقيقها في المجال الطبي، وأيضاً بفضل التطور المهم في القطاع.

 

لكن، على الرغم من كل التحدّيات التي واجهها القطاع الصحي في السنوات الأخيرة، لا تزال الإنجازات الطبية الكبرى التي تحصل فيه تؤكّد على دور القطاع الطبي الرائد في لبنان. آخر هذه الإنجازات التي تحقّقت في المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت، هو عبارة عن تحدّ طبي حقيقي، كما يصفه نقيب الأطباء وطبيب التجميل والترميم المتخصّص في جراحة اليد والجراحة المجهرية الدكتور يوسف بخاش، مشيراً في حديثه مع "النهار العربي" إلى أنّ القطاع الطبي في لبنان صامد وقادر على تحقيق إنجازات استثنائية رغم التحدّيات، كما في أي وقت مضى. علماً أنّ نسبة 40 في المئة من أطباء لبنان الذين هاجروا في بداية الأزمة عادوا إليه لاحقاً. ويضيف، أنّه يجري التحضير لمشروع تنظيم السياحة الطبية في لبنان، بالتعاون مع كافة الوزارات المعنية، لتعود الأمور إلى نصابها في لبنان، ويستعيد القطاع الصحي دوره الرائد في مجال السياحة الطبية كما عهدناه دوماً.

لماذا تشكّل جراحة ترميم اليد تحدّياً طبياً؟

تُعتبر جراحة اليد من جراحات الترميم الخاصة والمميزة التي تشكّل بالفعل تحدّياً وتتطلّب تخصّصاً في مجال الجراحة المجهرية نظراً للدقّة المطلوبة في إنجازها. خصوصية اليد والجراحة التي تُعنى بها، بحسب بخاش، بكونها تجمع كافة أنواع الأنسجة في الوقت نفسه، من أعصاب وشرايين وأوتار وعضلات... فمن المطلوب ممن يجري جراحة الترميم لليد أن يكون ملماً بترميم كافة أنسجة اليد، والتي لها الأهمية نفسها التي للوجه في جراحة التجميل والترميم، لما لها من دور في العلاقة مع الآخر والتواصل وفي الحياة اليومية للفرد. وبالتالي أي ضرر يحصل فيها ينعكس إلى حدّ كبير على الحالة النفسية للشخص وعلى نظرته إلى ذاته.

 

وفق ما يوضحه بخاش، لا يُعطى بعد تخصّص جراحة اليد أهمية كافية حتى اليوم، وإن كانت قد أُقيمت في الدول العربية مراكز متخصّصة في جراحة وترميم اليد. وكون عملية ترميم اليد دقيقة ومعقّدة، وجراحة ترميم الأصابع أكثر تعقيداً بعد، لا بل تُعتبر من أصعب جراحة الترميم، قد يتجّه البعض إلى البتر كحل أسهل.

 

وصحيحٌ أنّ عملية ترميم اليد تُعتبر صعبة، لكن الأصعب عملية ترميم الأصابع التي يجريها قلائل من الأطباء ذوي الاختصاص في الجراحة المجهرية. إذ أنّ الشرايين في الإصبع قد لا يتخطّى حجمها الملم الواحد، فيما تلك التي فوق الإصبع ربع الملم، ما يؤكّد على الدقّة والصعوبة التي في جراحة ترميم الأصابع المبتورة، التي من الضروري أن تُجرى تحت المجهر.

 

ومن التحدّيات في هذا الإنجاز الذي تحقّق، أنّ أصابع اليد قد بُترت دفعةً واحدة أثناء حادث عمل، ما زاد من التعقيدات في الجراحة التي استغرقت 10 ساعات من العمل المتواصل بدقّة فائقة، لإعادة ربط كافة الهياكل الحيوية للأصابع. فكان من المفترض تكرار المهمّة نفسها بوصل كافة الأنسجة مرات عدة.

 

هل من شروط معينة لحفظ الأصابع حتى تنجح الجراحة؟

حتى تنجح الجراحة من المفترض حفظ الأصابع في الثلج شرط لفّها أولاً بضمادة أو قماش حتى لا يتسبّب الثلج بحرقها. هذا ما يساعد في تجنّب تلف الأصابع وما قد يشكّل عائقاً أمام نجاح الجراحة. وكان هذا الشرط موجوداً في هذه الحالة، لأنّ المصاب كان قد توجّه إلى مستشفى آخر أولاً، كما أوضح بخاش، وقد أُعطيت له التوجيهات اللازمة لحفظ الأصابح حتى لا تتلف. علماً أنّ هذا الإجراء يجب أن يُتخذ سريعاً لأنّ الأصابع المبتورة يمكن أن تتعرّض للتلف خلال 6 ساعات، فلا تعود جراحة الترميم ممكنة عندها بعد أن تتوقف الدورة الدموية فيها. لذلك، تتطلّب هذه المسألة التوعية حتى تُتخذ الإجراءات اللازمة. ومن الممكن حتى أن تُجرى عملية زرع اليد او الأصابع بغير الطرق الصحيحة لكنها تتلف خلال أيام. هذا ما يؤكّد على دقّة عالية مطلوبة في هذه الجراحة.

 

هل يمكن للمريض أن يستخدم يده بشكل طبيعي بعد الجراحة التي أُجريت له؟

سيتمكن المريض من استعادة وظيفة اليد بنسبة 80 في المئة، وهذا ما يُعتبر إنجازاً في هذا المجال، نظراً لصعوبة الحادث الذي تعرّض له. ويؤكّد بخاش أنّه تأكّد من نجاح العملية، ومن أنّ لون الأصابع هو طبيعي ولا مشكلة فيها، بانتظار التئام الجروح والعظام خلال 3 أسابيع حتى تبدأ جلسات العلاج الفيزيائي خلال 6 أسابيع. علماً أنّها المرّة الأولى التي تُجرى فيها جراحة زرع أصابع عدة مبتورة في آن واحد.