إسرائيل دولة وظيفية أو قاعدة عسكرية غربية ذات وظيفة محددة لخدمة الأهداف الاستراتيجية الغربية، وهي بالتالي أداة كالذين تحاربهم

إسرائيل دولة وظيفية أو قاعدة عسكرية غربية ذات وظيفة محددة لخدمة الأهداف الاستراتيجية الغربية، وهي بالتالي أداة كالذين تحاربهم

ربما قد يتفاجأ القارئ العربي اليوم أن آرثر بلفور وزير الخارجية البريطاني الشهير صاحب (وعد بلفور) الذي وعد اليهود بوطن قومي لهم في فلسطين كان أهم معاد للسامية في عصره، ولم يكن متعاطفاً مع اليهود أبداً. وعندما كان رئيساً للوزراء دعا لوضع قانون صارم لمكافحة الهجرة ومنع اليهود الفارين من أوروبا الشرقية إلى بريطانيا. وقد يكون موقف بلفور ممثلاً لمواقف الكثير من الأوربيين في ذلك الوقت، وهذا يعني أن الغرب الأوروبي كان يعمل دائماً على استخدام اليهود من أجل مصالحه الوطنية والاستعمارية منذ وقت مبكر. وكلنا يتذكر ما يعرف بوثيقة (كامبل بانرمان) عام ألف وتسعمائة وستة نسبة إلى رئيس الوزراء البريطاني وقتها الذي دعا كل الدول الأوروبية الاستعمارية آنذاك إلى مؤتمر في لندن لتدعيم النفوذ الاستعماري الغربي في الشرق الأوسط، ومن ضمن ذلك المخطط إنشاء بؤرة استعمارية في منطقتنا لتقويض أية محاولات نهضوية عربية لاحقاً. وقد كان قيام إسرائيل فيما بعد عنواناً لذلك المشروع الذي مازال يؤمّن المصالح الأوروبية أولاً والأمريكية لاحقاً، ويزعزع استقرار العالم العربي ويؤجج نار الصراعات فيه.

ولا يبدو أن الهدف من إنشاء إسرائيل قد تغير أبداً، فقد سمعنا الرئيس الأمريكي جو بايدن قبل أيام فقط وهو يكرر أنه لو لم تكن إسرائيل موجودة لصنعناها، وأنها تعتبر أهم مشروع استثماري بالنسبة لأمريكا، ومهما أنفقنا عليها فهي تبقى مفيدة جداً ومثمرة. وعندما يتدافع المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون إلى إسرائيل في وقت الحروب فليس لأنهم يؤدون فروض الطاعة لإسرائيل، لا أبداً، بل لأنهم يحافظون على أهم مشروع استثماري لهم في هذا الجزء الحيوي من العالم. ولو كانت إسرائيل فعلاً تتحكم بالغرب كما يعتقد البعض، لما أرسلت أمريكا حاملات طائراتها وغواصاتها العملاقة فوراً إلى المنطقة لحماية إسرائيل، كما فعلت في حرب غزة الأخيرة. بعبارة أخرى، فإن السيد المتحكم هو الحامي وليس المحمي. وهذا يعني ضمناً، حسب كثيرين، أن إسرائيل دولة وظيفية أو قاعدة عسكرية غربية ذات وظيفة محددة لخدمة الأهداف الاستراتيجية الغربية، وهي بالتالي أداة كالذين تحاربهم، فالطرفان الإسرائيلي والعربي عبارة عن وقود من أجل المصالح الاستعمارية الغربية في منطقتنا. وأكبر دليل على ذلك أن غالبية سكان إسرائيل يحملون أكثر من جنسية وأكثر من جواز سفر، مما يعني ضمناً أنهم هنا في مهمة مؤقتة لصالح مشغليهم في أوروبا وأمريكا مهما طال أمدها، أو أنهم مستعدون للهرب إذا اقتضت الضرورة. فهل إسرائيل بعد كل هذا، برأيكم، في محل فاعل يُرعب الكبار والصغار في هذا العالم لإمساكها بمقاليد المال والإعلام والنفوذ الهائل والمكانة الدينية المميزة المختارة (إني فضلتكم على العالمين)، أم إن مقولة: إسرائيل هي من تقود الغرب قد سقطت منذ زمن بعيد كما قال عبد الوهاب المسيري ذات يوم؟ السؤال مطروح للنقاش.