تحولات الشرق الأوسط في ظل الحرب على غزة: سيناريوهات التصعيد أو الاستقرار
بقلم رئيسة التحرير ليندا المصري
تشير القراءات والتقديرات الدولية، بما في ذلك آراء دبلوماسيين ذوي خبرة طويلة في الشرق الأوسط، إلى أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة لن تقتصر على القطاع أو حتى على فلسطين بأكملها، بل ستؤدي إلى تغييرات كبيرة في المنطقة ككل. إنها حرب حتمية فيها رابح وخاسر، ومن المتوقع أن تكون طويلة ومتعددة الأشكال، حيث ستتغير وتيرتها بين التصعيد والتهدئة، مع تحولات كبيرة في مساراتها. في المجتمعات الغربية، يُراد تشبيه عملية "طوفان الأقصى" بأحداث 11 سبتمبر 2001، التي أطلقت حملة "الحرب على الإرهاب" وأسفرت عن حربين كبيرتين في أفغانستان والعراق، وما تبعها من تأثيرات عميقة على مستوى المنطقة بأكملها.
بعد تلك الحربين، رفعت الولايات المتحدة شعار "الشرق الأوسط الجديد"، وهو مشروع أثار جدلاً واسعاً. البعض رأى فيه محاولة لنشر الديمقراطية وبناء دول جديدة في المنطقة، بينما اعتبره آخرون حملة استعمارية عسكرية تهدف إلى تشتيت المنطقة وتقسيمها، وتأجيج الصراعات المذهبية والطائفية التي زعزعت استقرار الدول الوطنية. اليوم، يعاد فتح النقاش حول مستقبل المنطقة في ضوء الحرب الإسرائيلية في غزة، وإمكانية توسعها لتشمل جبهات أخرى، بما في ذلك لبنان. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان أول من شبّه ما حدث في 7 أكتوبر 2023 بأحداث 11 سبتمبر، داعياً الولايات المتحدة والغرب إلى دعم إسرائيل في حربها الجديدة.
يركز نتنياهو في معركته على إيران وحزب الله. خلال لقاءاته مع عائلات الأسرى الإسرائيليين في غزة، أكد مراراً أن حربه يجب أن تستهدف إيران وحزب الله، وهو ما أعلنه أيضاً في الكونغرس الأميركي، داعياً لدعم أميركي في هذه المواجهة. نتنياهو مُصرّ على توسيع نطاق الحرب ليشمل المنطقة بأكملها، وهو يدرك أن إسرائيل لن تكون قادرة على القيام بذلك بمفردها، لذا يسعى للاستفادة من الوجود العسكري الأميركي في المنطقة لتعزيز موقفه العسكري والمعنوي.
التقديرات الدولية تشير إلى أن منطقة الشرق الأوسط لن تعود إلى ما كانت عليه قبل هذه الحرب، إذ ستشهد تغييرات كبيرة على المستويات السياسية والعسكرية والاستراتيجية. ومع ذلك، من الصعب التنبؤ بالمسار الذي ستسلكه هذه التغييرات أو النتائج النهائية لهذه الحرب، ومن سيكون الفائز أو الخاسر في معايير الحسابات الدولية والأدوار والنفوذ.
ما يسعى إليه الإسرائيليون والغرب هو إدخال المنطقة في "عصر التطبيع"، وهو مشروع عملت عليه الإدارات الأميركية المتعاقبة، وصولاً إلى جهود الإدارة الحالية لدمج إسرائيل في المنطقة. ومع ذلك، يبدو أن ما يحدث فعلياً هو محاولة لدمج المنطقة في "إسرائيل"، خاصة من خلال التركيز الأميركي على إتمام اتفاق تطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، والذي يشترط السعوديون إقامته على أساس إقامة دولة فلسطينية. ومع ذلك، يظل من غير الواضح كيف سيتم تحقيق هذا الهدف في ظل الاستمرار في توسيع المستوطنات الإسرائيلية.
حتى الآن، لا تزال جبهات المساندة لغزة تحت السيطرة إلى حد كبير، تشهد تصعيداً محدوداً ومدروساً بفضل الضوابط الأميركية، مما يجعل هذه المواجهات ذات طابع تكتيكي لا يؤدي إلى حرب شاملة، وهو ما لا ترغب فيه إيران أو الولايات المتحدة. في المقابل، يبدو أن نتنياهو يسعى لإشعال حرب واسعة تشمل المنطقة بأكملها، محاولاً بناء تحالف لمواجهة إيران. طالما استمرت الجبهات في التصعيد المنضبط، وكلما اقتربت الحرب من الانفجار، تدخلت قوى متعددة لتهدئتها. لذا، من المحتمل أن تستمر هذه المواجهات الاستنزافية ما لم يتم التوصل إلى تسوية شاملة تلبي مصالح الجميع، وهو ما تسعى إليه الإدارة الأميركية.
أمام هذه الوقائع، يواجه الشرق الأوسط خيارين: إما انفجار حرب كبيرة لا يمكن التنبؤ ببدايتها أو نهايتها، أو التوصل إلى اتفاقات كبرى تضمن استقراراً طويل الأمد. هذا ما تسعى إليه الولايات المتحدة بالتعاون مع دول متعددة ومتناقضة. الوضع في لبنان يعكس هذه الحالة أيضاً، حيث تستمر الجبهة المفتوحة لأكثر من عشرة أشهر وسط دعوات دولية ولبنانية لتطبيق القرار 1701، رغم أن تطبيقه السابق كان ملتبساً، والوقائع الحالية لا تسمح بمزيد من الالتباس. حتى تمديد مهمة قوات الطوارئ الدولية في الجنوب يُعتبر خطوة تكتيكية لا تحمل تغييرات استراتيجية، إذ يرتبط التحول الاستراتيجي إما باتفاق شامل على وقف العمليات العسكرية وإرساء الاستقرار بضمانات واسعة، أو باندلاع حرب حتمية بغض النظر عن شكلها ومساراتها.