استراتيجية نتنياهو: كيف تعيد إسرائيل رسم خرائط المنطقة عبر الأزمات

بقلم عبد الحميد عجم

استراتيجية نتنياهو: كيف تعيد إسرائيل رسم خرائط المنطقة عبر الأزمات

العمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان ما زالت مستمرة، حيث تشهد مناطق الجنوب استهدافاً يومياً، وتستمر عمليات الاغتيال ضد قيادات ومقاتلي "حزب الله"، وبلغ عدد القتلى أكثر من خمسمائة. هذه العمليات ليست عشوائية بل هي جزء من استراتيجية مدروسة تهدف إلى تفريغ الحزب من قياداته.

 

قبل حوالي أسبوع، كان هناك اعتقاد سائد بأن العملية العسكرية الإسرائيلية الواسعة النطاق ضد لبنان باتت وشيكة، ولكن الجهود الأمريكية المكثفة أدت إلى تأجيلها. ومع ذلك، تعود الآن نفس المؤشرات، مما يثير تساؤلات حول احتمال قيام نتنياهو بتوسيع نطاق الحرب.

 

لنتجاوز القناعات الشخصية والتفسيرات المختلفة، ونتناول الأحداث بموضوعية. منذ اندلاع حرب غزة، اتبعت استراتيجية نتنياهو نهجاً واضحاً، يهدف أساساً إلى استغلال الأزمة لتعزيز موقعه السياسي وفرض نفسه كقائد "تاريخي" لإسرائيل.

 

استراتيجية نتنياهو تستفيد من كل أزمة أو تصعيد لتغيير الوضع القائم بشكل أعمق مما كان عليه قبل اتفاقات "أوسلو"، وتعيد القضية الفلسطينية إلى نقطة الصفر. هذا ما حذرت منه في مقال سابق وسأواصل التأكيد عليه، لأنه يعد جوهر فهم استراتيجية نتنياهو.

 

التغييرات في غزة ملموسة، حيث تحولت إلى منطقة عسكرية، في حين أن هناك تحركات تستهدف تدمير المكتسبات الفلسطينية، مما يعادل تدمير ما تبقى من اتفاق أوسلو بل وأكثر.

 

أحد القضايا الرئيسية في مفاوضات الهدنة ووقف إطلاق النار هو تشدد نتنياهو في الحفاظ على معبر فيلادلفيا مع مصر، وهو ما بدأ الإعلام الغربي بالترويج له. هذا التصعيد يمثل انتهاكاً واضحاً لاتفاقية "كامب ديفيد" بين مصر وإسرائيل.

 

بعد حادثة جسر الملك حسين على الحدود الأردنية، قام نتنياهو بزيارة منطقة الأغوار الفلسطينية، مما أثار موجة من الإدانات العربية، خاصة من السعودية، التي اعتبرت هذا التصرف استفزازاً يهدف إلى توسيع الاستيطان. هذا الاستفزاز يمثل تهديداً لاتفاقية "وادي عربة" بين الأردن وإسرائيل، ويؤثر على مشروع الدولة الفلسطينية، ويؤكد أن استراتيجية نتنياهو تعتمد على استغلال الأزمات لإعادة تشكيل الواقع وإلغاء كافة الاتفاقيات في المنطقة.

 

بناءً على هذه الاستراتيجية، لا يوجد ما يجعل الوضع في لبنان أو جنوبه استثناء. ومن الواضح أن نتنياهو قد يستغل فرصة الحرب الموسعة ضد "حزب الله" لتحقيق أهدافه الاستراتيجية، حيث أن الحرب مع "حزب الله" ستساهم في إعادة تشكيل الواقع والخرائط، وستزيد من التوتر مع إيران، وهو ما يسعى إليه نتنياهو، خاصة بعد تصريحاته الأخيرة حول تعطيل مشروع إيران النووي.

 

نتنياهو يترقب الرئيس الأمريكي الجديد، فإذا كانت هاريس ستواجه واقعاً جديداً، فإن ترمب يعني استمرار استراتيجيته. لذا، يجب على العقلاء في لبنان أن يكونوا على وعي تام، ولكن السؤال هو: هل هناك من يدرك هذه المخاطر في لبنان؟