السياسة في زمن الأزمات: إيران والمساومة على دماء غزة
بقلم عبد الحميد عجم
في منطقتنا، كان مبدأ "الأرض مقابل السلام" هو السائد، وهو التفسير القانوني لقرار مجلس الأمن رقم 242 الذي اعتُبر أساساً للسلام في الصراع العربي الفلسطيني – الإسرائيلي. لكننا اليوم نواجه مبدأً جديداً يُسمى "الدم مقابل المفاوضات"، وليس حتى السلام. المثال الأبرز على ذلك هو إعلان المرشد الإيراني علي خامنئي عن إمكانية استئناف المفاوضات مع واشنطن بشأن البرنامج النووي.
أوضح خامنئي للحكومة الإيرانية الجديدة أنه لا ضرر في التعامل مع "العدو"، مؤكداً أن هذا لا يعني عدم التفاعل مع نفس العدو في بعض الحالات، لكنه حذر من المبالغة في التفاؤل بخصوص هذه المفاوضات.
ليس هناك ما يعيب في إجراء مفاوضات إيرانية أميركية حول الاتفاق النووي، فلا أحد يرغب في رؤية حرب مدمرة في المنطقة. ومع ذلك، هناك مسألة أساسية لا يمكن تجاهلها: توقيت هذه المفاوضات.
المرشد الإيراني يبارك هذه المفاوضات في وقت تشهد فيه غزة حرباً دامية منذ عشرة أشهر، مع وقوع أربعين ألف قتيل ودمار شامل، دون أي بادرة مرونة من جانب إسرائيل. كما تأتي هذه المفاوضات في ظل التهديدات بتوسيع الصراع إلى لبنان عبر "حزب الله"، وفي ظل الاتهامات الإيرانية للولايات المتحدة بدعم إسرائيل ومشاركتها في الأحداث.
من اللافت أن المرشد الإيراني يدعم المفاوضات الآن رغم أن بلاده كانت قد اعتبرت السابع من أكتوبر (تشرين الأول) موعداً لوقف المفاوضات السعودية الأميركية التي كان من أهدافها الحفاظ على القضية الفلسطينية وإطلاق مشروع الدولة الفلسطينية.
في العام الماضي، صرح المرشد الإيراني أن "طوفان الأقصى" جاء في الوقت المناسب، قائلاً إنه أفشل المخطط الكبير للشرق الأوسط الجديد وأنه كان ما تحتاجه المنطقة، وفقاً لوكالة "تسنيم" الإيرانية.
سياسياً، يبدو أن المرشد يدعم هذه المفاوضات في وقت تمر فيه الإدارة الأميركية بمرحلة "البطة العرجاء"، مما يشير إلى أن طهران تسعى لـ "إضاعة الوقت" لتفادي أي صراع محتمل ولتحقيق السلامة حتى موعد الانتخابات الأميركية، تماماً كما يسعى نتنياهو لتحقيق أهدافه.
كل هذه العوامل تؤكد أن السابع من أكتوبر كان مغامرة غير ناجحة بالنسبة لإيران، التي عادت الآن للتركيز على المفاوضات النووية على أمل تأمين موقع لها للتفاوض بشأن غزة وحماية "حزب الله" من صراع مدمر.
وفي ظل صمت المتشددين الإلكترونيين وصمت أولئك الذين انتقدوا التفاوض مع واشنطن من أجل السلام، تتغير الخرائط فعلياً في غزة.
السؤال المطروح الآن: هل من المقبول تدمير غزة لتحقيق مصالح إيرانية؟ هل يمكن تبرير تدمير أربع دول عربية لتحقيق أهداف إيران؟ وهل يمكن قبول هذا التدمير المنهجي للإنسان العربي تحت شعارات فارغة؟
وأخيراً، متى ستتعلم منطقتنا الدروس من الأثمان الحقيقية والمؤلمة التي دُفعت؟