الشرق الأوسط في مرمى التحديات الجيوسياسية: قراءة في أزمة البحر الأحمر وتأثيراتها العالمية

بقلم عبد الحميد عجم

الشرق الأوسط في مرمى التحديات الجيوسياسية: قراءة في أزمة البحر الأحمر وتأثيراتها العالمية

التحديات الجيوسياسية في البحر الأحمر: قراءة جديدة

 

لم يعد هذا مجرد تشاؤم أو عاطفة عابرة، بل أصبح قناعة راسخة لدى العديد من الباحثين والمحللين في أبرز المراكز البحثية، كما تعكسه تقارير صحفية حديثة. من بين هذه التقارير، نجد مقال هل براندز على موقع "بلومبرغ"، وهو أستاذ في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز، بعنوان: "أميركا تخسر معركة البحر الأحمر". براندز يناقش استمرار الصراع في غزة، الذي فاجأ الجميع، ويشير إلى أن ميليشيا الحوثي، التي كانت غير معروفة نسبياً في الولايات المتحدة، تشكل الآن تهديداً كبيراً لحرية الملاحة منذ عقود. هذا التهديد لا يرتبط فقط بتعاطف الحوثيين الظاهر مع القضية الفلسطينية، بل يعكس أيضاً تعزيزاً لما يُسمى بـ"محور الممانعة" وتقوية ذراع إيران في المنطقة.

 

المخاطر المترتبة على هذا الوضع يتجاوز تأثيره على حركة المرور عبر قناة السويس، حيث تشير التقارير إلى انخفاض هذه الحركة بنسبة تزيد عن النصف. بالإضافة إلى ذلك، هناك تهديدات بيئية خطيرة نتيجة استهداف ناقلات النفط، مما يهدد بتداعيات كارثية على اليمن والمنطقة بشكل عام. ميليشيات الحوثي تواصل تعزيز عسكرة المنطقة دون اكتراث بالعواقب البيئية والاقتصادية.

 

يلاحظ براندز أيضاً أن التعاون بين وكلاء إيران يمثل مكافأة جيوسياسية للصين وروسيا، حيث تستفيد هاتان الدولتان من الأزمة دون تحمل أعباء التدخل المباشر في الشرق الأوسط. هذا الوضع يؤدي إلى ضعف الاستجابة الأميركية والأوروبية، التي تفتقر إلى القدرة على إنهاء الصراع في غزة، وعدم الاستماع لدول الاعتدال مثل السعودية، فضلاً عن عدم قدرتها على إدارة الأزمات في العراق وأفغانستان ولبنان واليمن والقرن الأفريقي، وهي مناطق تتميز بالتوتر المستمر.

 

التجارب التاريخية في منطقة الشرق الأوسط تثبت أن الشعارات والمقاربات المستعجلة لا تؤدي إلى بناء دول قوية أو حل الأزمات المعقدة. المنطقة دفعت ثمناً باهظاً نتيجة التجارب الأيديولوجية والعقائدية، مما أدى إلى تفكك الدول وغياب السلطة وتفشي الفوضى. التدهور الاقتصادي، انتشار الميليشيات والإرهاب، وتدهور الأوضاع السياسية والتعليمية هي تجليات لهذه الظواهر.

 

المنطقة بحاجة إلى بصيص أمل لتجاوز حالة الجمود السياسي والاقتصادي. هذا الأمل يمكن تحقيقه من خلال اتخاذ الولايات المتحدة وأوروبا لقرار شجاع بإعادة تقييم سياساتها، بدءاً بإنهاء الصراع في غزة، والسعي الجاد لاستعادة مناطق الدولة والاستقرار.