قصّة صراع أميركي-صيني خفي على قاعدة بحرية في أفريقيا
لم يكد الصيف الماضي يوشك على الانتهاء حتى فوجئ العالم بالإعلان عن انقلاب عسكري في الغابون التي تقع على الساحل الغربي لأفريقيا، حيث تم الإطاحة بالرئيس علي بونغو بعد ساعات من الإعلان عن فوزه في الانتخابات بولاية ثالثة، ووضعه قيد الإقامة الجبرية، وتعيين رئيس الحرس الجمهوري بريس أوليغي نغويما رئيسا انتقاليا.
قبل أشهر قليلة من هذا المشهد، وخلال زيارة دولة أجراها بونغو إلى الصين في منتصف نيسان (أبريل) الماضي، أوردت وكالات الأنباء خبرا عن لقائه مع الرئيس الصيني شي جينبينغ، حيث اتفق الرئيسان على الارتقاء بالعلاقات إلى "شراكة تعاون استراتيجي شامل".
وقال شي إن الصين ستعزز التعاون الاقتصادي، كما دعا إلى حماية المصالح المشتركة للدول النامية في منصات متعددة الأطراف. وحول العلاقات الصينية الأفريقية، قال شي إن الصين وأفريقيا بحاجة إلى "معارضة التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى بشكل مشترك"، مؤكدا أن الصين تدعم أفريقيا في لعب دور مهم في التنمية السياسية والاقتصادية العالمية.
وبينما أعرب بونغو عن أمله في "تعزيز التعاون في البنية التحتية والسياحة"، فقد شدد أن بلاده "تعارض أيضا المعايير المزدوجة وتسييس قضايا حقوق الإنسان".
لكن تقريراً لـ"وول ستريت جورنال" كشف اليوم السبت أن بونغو أفصح في وقت مبكر من شهر آب (أغسطس) خلال اجتماع بقصره في العاصمة ليبرفيل مع جون فاينر، النائب الرئيسي لمستشار الأمن القومي الأميركي، عن وعده سرا للرئيس الصيني شي جينبينغ بالسماح لبكين بنشر قوات عسكرية على ساحل المحيط الأطلسي في الغابون. وأن فاينر حثه على "سحب العرض"، وفقًا لمسؤول في الأمن القومي الأميركي.
وبعد أيام قليلة من لقاء بونغو وفاينر في لبيرفيل، جرت إطاحة الأول على يد حرسه الجمهوري. وبينما لا أي مؤشرات على دور أميركي في ذلك، فإن الأنباء أشارت إلى محاولات أميركية لإقناع قائد الانقلاب بالتخلي عن خطط تأسيس القاعدة الصينية.
وعقب الانقلاب، التقى فاينر مع الرئيس الانتقالي أوليغي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول (سبتمبر) الماضي. كما قام غود ديفيرمونت، كبير مسؤولي شؤون أفريقيا في مجلس الأمن القومي، ونائبة مساعد وزير الخارجية ميلاني هيغنز، بزيارة الغابون في الشهر التالي. وخلال تلك اللقاءات، قال أوليغي إنه يتفهم مخاوف الولايات المتحدة بشأن الوجود العسكري الصيني على المحيط الأطلسي، وأكد أن بونغو كان لديه اتفاق شفهي فقط مع الرئيس الصيني.
وعلى الجانب الأخر فإن الصين لم تعلق على الأمر، وردت وزارة الخارجية في بكين على سؤال "وول ستريت جورنال" بإنها ليس لديها علم بالخطط العسكرية للحكومة في الغابون أو في أي مكان آخر على ساحل المحيط الأطلسي في أفريقيا.
ولا يقتصر التشاحن غير المباشر بين الصين وأميركا في أفريقيا وخاصة ساحلها الغربي على الغابون، ويقول مسؤولون أميركيون إن الصين تقوم بحملة مكثفة لتأمين قاعدة بحرية على الشواطئ الغربية للقارة. ولأكثر من عامين، كانت الولايات المتحدة تدير جهوداً موازية لإقناع الزعماء الأفارقة بحرمانها من ذلك.
وفي غينيا الاستوائية، المجاورة للغابون، حيث أشار المسؤولون الأميركيون مرارا إلى جهود صينية لفتح قاعدة، فإنه لا توجد حتى الآن أي مؤشرات على إمكانية تحويل ميناء تجاري أنشأته الصين في مدينة باتا إلى قاعدة عسكرية، وهو البقعة الأصلح لذلك من وجهة النظر الأميركية.
وتعتبر الولايات المتحدة المحيط الأطلسي بمثابة ساحة أمامية استراتيجية لها، وترى أن الوجود العسكري الصيني الدائم هناك -وخاصة القاعدة البحرية حيث يمكن لبكين إعادة تسليح وإصلاح السفن الحربية- يمثل تهديدًا خطيرًا للأمن الأميركي.
وقال مصدر لـ"وول ستريت جورنال": "في أي وقت يبدأ الصينيون بالتجول حول دولة إفريقية ساحلية، نشعر بالقلق"... لكن حتى الآن يؤكد المسؤولون الأميركيون أنهم منتصرون في تلك المعركة، وأنه لا توجد أي دولة أفريقية مطلة على المحيط الأطلسي وقعت اتفاقا يتصل بالأمر مع الصين.
وتبدو الإجراءات الأميركية محاولة استباقية لتجنب ما حدث في شرق أفريقيا بالفعل، حيث تمتلك الصين قاعدة عسكرية (هي الوحيدة من نوعها في القارة السمراء حاليا) في جيبوتي منذ سبع سنوات.
هذه القاعدة الصينية، القادرة على إرساء حاملة طائرات أو غواصات نووية، تقع حاليا على مرمى البصر من تحركات التحالف البحري الذي يواجه هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر. كما أنها غير بعيدة عن أكبر قاعدة أميركية في أفريقيا "كامب ليمونير"، والتي تعمل في الصومال المجاورة.