متاحف باريس ترفع أسعار الدّخول.. هل تستغل فرصة الألعاب الأولمبيّة؟
أثناء زيارته إحدى ضواحي باريس المهملة الشهر الماضي، تعهد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تحويل استضافة بلاده الألعاب الأولمبية الصيفية إلى "لحظة من الانفتاح الثقافي".
وتقام دورة الألعاب الأولمبية الصيفية هذا العام خلال الفترة من 26 تموز (يوليو) حتى 11 آب (أغسطس) 2024 للمرة الثالثة في باريس، بعد دورتي عامي 1900 و1924.
"التوقيت ليس مجرد صدفة"
وعندما وعد ماكرون بفتح أبواب الثقافة الفرنسية وإتاحتها للجميع، تحدث عن الأولمبياد كمفتاح دخول مجاني إلى عوالم السينما والمسرح والحفلات الموسيقية. لكنه لم يشر أبداً إلى المتاحف، و"ربما لم تكن هذه مجرد صدفة"، وفق صحيفة "التايمز" البريطانية.
ففي مقالة نشرتها الصحيفة أخيراً، ذكرت أن "هذه الخطوة أدت إلى اتهام المتاحف باستغلال الألعاب الأولمبية لتحقيق الأرباح عبر زيادة أسعار تذاكر الدخول إليها، في وقت يواجه فيه السكان في أوروبا بأسرها أزمة معيشية".
وفي هذا السياق، أشارت مجلة "Alternatives Economiques" الاقتصادية، إلى أن "التوقيت ليس مجرد صدفة، فمتحف اللوفر يرغب في استغلال هذه الهبة السياحية الضخمة".
لكن إدارة متحف اللوفر أنكرت وغيرها من المتاحف أي ارتباط بين ارتفاع أسعار تذاكر الدخول والألعاب الأولمبية المُرتقبة. وأكدت أنها "اضطرت إلى زيادة تكاليف التذاكر نتيجةً للتضخم، وتراجع الدعم الحكومي". وأوضحت المتاحف الوطنية الكبيرة أن "زيادة الأسعار أمر لا مفر منه مع ارتفاع التكاليف".
ولفتت إلى أن "رسم الدخول البالغ 22 يورو يعتبر مقبولاً بالنسبة إلى ملايين السياح، إذ يشكّل الأجانب 70 في المئة من زوار اللوفر الذين يبلغ عددهم 30,000 زائر يومياً".
لكن هذا الأمر ليس جديداً، إذ أعلنت إدارة اللوفر في كانون الأول (ديسمبر) 2023 رفع رسوم الدخول ابتداءً من كانون الثاني (يناير) 2024، من 17 إلى 22 يورو.
وأوضح بيان إدارة اللوفر حينها أن "زيادة الرسوم ستساعد المتحف على التعامل مع تكاليف الطاقة المرتفعة، وتمويل الدخول المجاني لفئات محددة كالمعلمين ومن هم دون الثامنة عشرة من عمرهم، والصحافيين".
كيف تؤثر هذه الزيادة على الفرنسيين؟
ذكرت مديرة مجموعة " In Extenso" للاستشارات السياحية كلوي ليونيتي، في حديث إلى صحيفة "التايمز"، أنه لا "دليل على استفادة المتاحف من الألعاب الأولمبية للحصول على إيرادات إضافية". وأضافت أن "العديد منها لم ترفع أسعارها منذ سنوات، من ضمنها متحف اللوفر مثلاً الذي لم يرفع سعر تذاكره منذ عام 2017".
لكن أستاذ التاريخ في جامعة السوربون إريك أنسو علّق على الأمر قائلاً إن "رفع اللوفر سعر تذكرة الدخول إليه بهذا القدر الهائل يعد أمراً مخجلاً".
كما اعتبر نقاد في فرنسا أن "ارتفاع أسعار التذاكر يجبر الناس على التنازل عن فرصة التمتع بالتراث الفني البصري الغني للبلاد".
وعلى الرغم من أن الدستور يُلزم الدولة بـ"ضمان الوصول المتساوي إلى الثقافة لجميع الكبار والأطفال"، كشف استطلاع رأي لوزارة الثقافة الفرنسية أُجري عام 2019، أن "44 في المئة من الأسر امتنعت عن زيارة المتاحف أو الصالات الفنية بسبب ارتفاع أسعار الدخول إليها".
وفيما قفزت أسعار الدخول إلى اللوفر بنسبة 30 في المئة، سترتفع أيضاً تذاكر زيارة قوس النصر وكاتدرائية نوتردام، عند إعادة افتتاحها في وقت لاحق هذا العام، بنسبة 23 في المئة.
كما ستُفرض زيادات تصل إلى نحو 15 في المئة في عدد كبير من المواقع الحكومية، في جميع أنحاء فرنسا.
وعلى عكس المتاحف الوطنية، تتبنى باريس ومدن أخرى عدة، من ضمنها روان ومرسيليا، سياسة الدخول المجاني إلى العروض الدائمة في متاحفها التي تديرها البلديات، وتبلغ نسبتها 14 في المئة في العاصمة.
وينتمي 30 في المئة من زوار المتاحف البلدية إلى الطبقة العاملة أو الطبقة الوسطى الأقل، بينما لا يتمكن أكثر من 13 في المئة منهم من زيارة المتاحف والمعارض الوطنية.
ولاقى هذا القرار ترحيباً من مؤيدي هذه السياسة من الأكاديميين والموظفين المدنيين الفرنسيين الذين قالوا إن "الزوار الفرنسيين والأوروبيين يستفيدون من تخفيضات كثيرة".
وهم يعارضون إتاحة المتاحف مجاناً لأنهم يعتبرون أنه "يجب ألا تدعم الضرائب الفرنسية السياح غير الفرنسيين، الذين يشكّلون الجزء الأساسي من زوار متاحف مثل اللوفر".
ويتوقّع أن تستقطب الألعاب الأولمبية الصيفية هذا العام نحو 15 مليون مشجع رياضي إلى باريس، من ضمنهم مليونا شخص من خارج فرنسا.