في ليبيا... مأكولات رمضان التقليدية تتحدّى الأزمة المعيشية ‏

في ليبيا... مأكولات رمضان التقليدية تتحدّى الأزمة المعيشية ‏

يتطوّع حوالى ثلاثين شخصاً من سكان تاجوراء، إحدى ‏الضواحي في شرق العاصمة الليبية، يومياً للطهي وتقديم نحو ‏ثلاثمئة وجبة خلال شهر رمضان، في إطار حملة تضامن ‏تسلّط الضوء على طبق ليبي تقليدي‎.‎

يوحّد رجال من مختلف الأعمار جهودهم من أجل تحضير ‏البازين، وهي من المخبوزات الليبية المصنوعة من الشعير ‏والتي تُقدّم مع الحساء، كجزء من حملة تجمع بين التعاضد ‏الاجتماعي وتقاليد الطهي لتوزيع وجبات مجانية على ‏الصائمين خلال الشهر الفضيل‎.‎

ويشبه البازين العصيدة من دقيق الذرة ‏‎ ("polenta") ‎الإيطالية أو ‏وجبة فوفو ‏‎ ("fufu") ‎المشهورة في غرب إفريقيا، وهو طبق ‏أمازيغي في الأصل يُعتبر وجبة عائلية كلاسيكية من إقليم ‏طرابلس ("تريبوليتانيا")، المنطقة الشمالية الغربية التاريخية ‏من ليبيا‎.‎

ويشكّل البازين رمزاً للمشاركة لدى الليبيين، وعادة ما يتم ‏تناوله باليد من طبق مشترك يجلس حوله الضيوف على ‏الأرض‎.‎ويقول سالم عمران، وهو أحد الطهاة المشاركين في المبادرة ‏التي تبلورت بعد انتفاضة 2011 التي أطاحت بالديكتاتور ‏معمر القذافي، "في الماضي، كان هذا الطبق مقتصراً على ‏المنازل" حيث كانت تعدّه النساء ويُقدّمنه "للأقارب ‏والجيران". ‏

ويوضح الرجل البالغ 60 عاما لوكالة "فرانس برس"، "نحن ‏نقدّم هذه الوجبات لكلّ من يقصدنا". ‏

بجانبه، يدور رجال في مجموعات ثلاثية حول قدر كبير، وفي ‏أيديهم عصي طويلة يخلطون فيها دقيق الشعير في الماء ‏المغلي المملّح‎.‎

بعد طهيها لمدة ساعة على الأقل، تُعجن العجينة الساخنة ‏وتُقسّم إلى قطع صغيرة، تُحوّل بدورها إلى أشكال مخروطية ‏شبيهة بالقبب، ثم توضع في وعاء مع يخنة الفول والطماطم ‏والبهارات‎.‎

وتغيب اللحوم، التي كانت عنصراً ضرورياً في هذه الوصفة، ‏عن هذا الصنف الغذائي حالياً بسبب ارتفاع أسعارها. لكن ‏المتطوعين يتكيفون مع الوضع‎.‎

ويقول عصام الطيب (57 عاما) وهو من سكان تاجوراء جاء ‏للمساعدة في المبادرة "انتقلنا من قدر إلى وعاء، ثم من وعاء ‏إلى اثنين، وبتنا نقدّم حالياً ما بين 300 إلى 400 وجبة يوميا"‏‎.‎"الحياة صعبة"‏

في العاصمة طرابلس، على بعد حوالى 22 كيلومترا، نوع ‏آخر من المعجنات المقلية يحتل حيزاً واسعاً على المائدة ‏الرمضانية: السفنز، وهو أشبه بكعكة "دونات" مقلية طرية ‏مصنوعة من العجين المخمر، عادة ما تكون محشوة بالبيض ‏أو مغمّسة في العسل.‏

وبعدما كان من الأطعمة الرخيصة نسبياً المباعة للمارّة في ‏الشوارع، بات السفنز ترفاً لليبيين كثيرين بسبب الغلاء ‏المعيشي‎.‎

ولا تزال ليبيا تكافح من أجل التعافي من سنوات الحرب التي ‏أعقبت مقتل القذافي في عام 2011‏‎.‎

كما أن البلاد منقسمة بين إدارتين متنافستين في طرابلس في ‏الغرب، وبنغازي في الشرق.‏

ورغم امتلاكها أكبر احتياطيات نفطية في إفريقيا واحتياطيات ‏وفيرة من الغاز الطبيعي، أدى عدم الاستقرار المستمر إلى ‏تقويض الاقتصاد، وأثّر بشكل كبير على مستوى المعيشة في ‏ليبيا‎.‎

ويقول محمد صابر، الذي يدير متجرا للسفنز على مشارف ‏طرابلس إن الزبائن "يشترون في حدود إمكانياتهم"، مضيفاً ‏‏"اليوم، يبلغ سعر علبة البيض 20 دينارا (حوالي 4 ‏دولارات)، ما رفع سعر سفنز البيض إلى 3,5 دنانير"، بعدما ‏كان لا يتخطى بضعة قروش‎.‎

ويوضح صابر، وهو تونسي يتقن اللهجة الليبية بعدما عاش ‏وعمل لفترة طويلة في ليبيا، أن "الحياة صعبة بالنسبة لليبيين ‏الآن". ‏

 وكان باعة سفنز مثل صابر يأتون تقليدياً من تونس المجاورة، ‏موطن كعكة بمبالوني الشهيرة، لكن في السنوات الأخيرة ‏أصبحوا نادرين في ليبيا‎.‎

غير أنّهم بدأوا بالعودة، رغم المنافسة من بائعي البرغر ‏والشاورما، لأولئك الذين يستطيعون تكبّد تكاليفها‎.‎

ويصطف الزبائن من مختلف الأعمار أمام متجر صابر ‏الصغير‎.‎

ويقول محمد البوشي، وهو زبون يبلغ 69 عاما، مازحاً "الرائحة ‏طيبة للغاية"، "لكن لأكون صادقاً معك، فهذا ليس مثالياً ‏للصحة". ‏