الجرب يضرب مستشفى الحريري

الجرب يضرب مستشفى الحريري

تنتشر عدوى الجرب في مستشفى رفيق الحريري الجامعي بين عاملين من الطاقم التمريضي، وتؤكد مصادر من داخل المستشفى أن هناك 200 حالة ما بين مصاب بالعدوى ومخالط بعد انتقال العدوى من مريض إلى ممرّض. إلا أن ثمة سبباً آخر يتعلق بالإهمال الوظيفي، وبغياب رئيسة قسم التمريض عن عملها لتدير «وظيفة» أخرى في وزارة الصحة لقاء بدلٍ بالفريش دولار، ما يفتح باب مغارة الفساد في الطبقة الرابعة من مبنى الوزارة

في الفترة الأخيرة، كان حديث العاملين في مستشفى رفيق الحريري الجامعي حول زملاء يأتون صباحاً لـ«تتكيس» الحضور قبل التوجه إلى أعمال أخرى خارج المستشفى، ويعودون ظهراً لـ«تتكيس» المغادرة، ويتقاضون بدل الحضور آخر الشهر. كان هذا آخر تداعيات الإهمال والفساد وسوء الإدارة التي تتحكّم بمستشفى أُريد له أن يكون صرحاً طبياً وعلمياً في العاصمة... قبل أن «يطشّ» خبر غطّى على كل ما عداه، حول انتشار مرض «الجرب» المعدي بين عدد كبير من العاملين ضمن الطاقم التمريضي في المستشفى! وتؤكّد مصادر من داخل المستشفى انتشار عدوى «الجرب» بين العاملين، وأن عدد المصابين والمشتبه بإصابتهم ممن احتكّوا بهم «وصل إلى أكثر من 200»، وأن عدّاد الإصابات «يرتفع مع تسجيل حالات مرضية بشكل شبه يومي». أما الأسوأ فهو أن العدوى انتقلت عن طريق أحد المرضى بسبب انعدام إجراءات الحماية والسلامة العامة، وعدم التزام العاملين أنفسهم بمعايير النظافة، وتعاملهم مع الحالات المرضية باستسهال. فالبديهي في حالات كهذه، أن يُعزل المرضى، وهو ما لم يحدث، لذلك «فلتت الأمور في المستشفى، واختلط الحابل بالنابل وباتت العدوى متبادلة: المرضى ينقلونها إلى الممرضين، وهؤلاء ينقلونها إلى مرضى آخرين وإلى من يحتكّون بهم خارج العمل».

من يتحمّل المسؤولية؟

في الشق العام، تقع المسؤولية على كل المسؤولين عن إدارة هذا المرفق العام ممن تقاعسوا في مهامهم وأهملوا، عن قصد أو غير قصد، شؤون المستشفى والعاملين. أما في الخاص، فثمة ممرضون وعاملون يفترض أنهم يتبعون لقسم التمريض الذي يتحمّل المسؤولية الكاملة عما آلت إليه الأمور. غير أن رئيسة القسم و. غلاييني، المسؤولة المباشرة عن شؤون الممرضات والممرضين، «لا تداوم في المستشفى في غالبية الأيام، وغائبة عن كل ما يجري»، وفق عاملين في المستشفى، إذ إنها «منشغلة بإعداد خطة طوارئ للبلد في حال نشوب حرب، بعدما انتُدبت لإدارة غرفة عمليات الطوارئ الصحية» التي أنشئت بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية لمواجهة تداعيات الحرب.

غلاييني الغائبة عن وظيفتها الأساسية كرئيسة قسم التمريض براتبٍ شهري، والتي «تزاحم» المدير العام للمستشفى بالوكالة، جهاد سعادة، على ما تبقّى له من صلاحيات، حاضرة في كل مكان آخر: في وزارة الصحة منتدبةً لإدارة غرفة الطوارئ مقابل راتب ثانٍ تتقاضاه من منظمة الصحة العالمية بـ«الفريش دولار». وهي أيضاً ممن تنتدبهم الوزارة للسفر إلى الخارج (وتقاضي بدلات سفر) للمشاركة في المؤتمرات، فيما الممرضون والممرضات في قسمها يعتصمون كل شهر لقبض رواتبهم التي تُصرف بالليرة.

لكن، لماذا تُنتدب «ممرّضة» لإدارة غرفة الطوارئ، بعدما تخطّت بقرار من الوزير فراس أبيض، كل أصحاب الخبرة في مجال الطوارئ من العاملين في الوزارة؟ ومن أين لها الصلاحية التي تخوّلها اصطحاب زملاء لها يبصمون في المستشفى ويداومون في الوزارة؟ ولماذا إنشاء غرفة للطوارئ فيما كان يمكن الاكتفاء ببرنامج للطوارئ يلحق بإحدى مصالح الوزارة كما جرى أثناء عدوان تموز 2006؟

 

لا يجد موظفو الوزارة أجوبة عن هذه الأسئلة وغيرها، ويقول أحدهم: «بتنا نرى كثيرين لا نعرفهم يعملون في الوزارة ويتقاضون رواتب بالدولار من منظمة الصحة العالمية لقاء أعمال يمكن أن يقوم بها الموظفون ببدل أقل بكثير». فضلاً عن «جيش» منظمة الصحة العالمية التي باتت تملك أوسع الصلاحيات في الوزارة، من مكتب الوزير وصولاً إلى المديريات والمصالح و«الكونتوارات»، إضافة إلى البنك الدولي الذي «يملك» مكتباً في الوزارة، وجمعية «عمال» التي دخلت من نافذة كورونا لتدير الـcall center كجمعية لا تبغي الربح وصارت تدفع بدلات بالدولار لبعض الموظفين.

موظفو الوزارة يشعرون بـ«الغربة» في «وزارتهم» أمام العدد الكبير من «الغرباء» الذين غزوها، خصوصاً في «الطبقة الرابعة حيث مكتب الوزير ومكتب موظفي البنك الدولي وحيث غرفة الطوارئ، إذ ليس مسموحاً لنا الصعود إلى تلك الطبقة، فيما الدخول إلى الغرفة التي تديرها غلاييني يستوجب امتلاك كود». وكذلك الأمر إلى «بقية غرف الطبقة الرابعة، والتي وُضع على باب كل منها إنترفون»، وهو ما عاينته «الأخبار».

هكذا تغصّ الوزارة بموظفين «مستعان بهم» للقيام بمهمات من صلب عمل الوزارة، فيما رفض الوزير اقتراحات قُدّمت إليه بالطلب من منظمة الصحة إعطاء مساعدة شهرية بقيمة 100 دولار لكل موظف بدل أن تعطي آلاف الدولارات لعدد محدود من الموظفين أو ممن استُقدموا إلى الوزارة. ولا يجد الموظفون تبريراً سوى «استمالة التمويل وتنفيع المحسوبيات»، كما يحصل مثلاً في غرفة الطوارئ التي تديرها غلاييني ومن أتت بهم وبعض موظفي الوزارة من أصحاب الحظوة لدى الوزير». وهؤلاء يتقاضون رواتب تراوح بين ألف وألفي دولار شهرياً، إضافة إلى 500 دولار للطبيب المدرّب في المستشفيات عن كل يوم تدريب و250 دولاراً للممرضة عن كل زيارة ميدانية! كما أُلحق بها «Hotline ـ call center الذي وُضع له ما لا يقل عن خمسة موظفين يتلقّون اتصالات عن الأدوية ولا علاقة لها بالنزوح أو تداعيات الحرب».