ماذا فعلت يا دولة الرئيس؟

بقلم مراسل نيوز

ماذا فعلت يا دولة الرئيس؟

ما الذي اضطرّ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى قوله ما قاله حول وقف الحرب الدائرة في الجنوب، وحول تطبيق بنود القرار الدولي 1701؟ ما الذي اضطرّ الرئيس ميقاتي الى التماهي الكامل مع خطاب الأمين العام حسن نصرالله، وذلك بالربط المحكم بين الحلّ في لبنان وجبهة الجنوب وبين وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة؟ من طلب الى رئيس الحكومة أن يلغي "الهامش الوجودي" ولو الضيّق لكيان الدولة اللبنانية عن خارظة الأحداث وعن فحوى الزيارات التي يقوم بها المبعوثون الدوليّون، إمّا للتحذير من الإنجرار الى حرب مفتوحة تدميريّة، وإمّا للبحث في إمكانية تطبيق القرارات الدولية، وهو ما حمله مؤخّراً المبعوث الأميركي هوكشتاين إثر إتصالات قام بها نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب في العاصمة واشنطن؟

ماذا كسب أو يكسب ميقاتي من هذا التنازل الطوعي والخطير من أعلى مرجع رسمي في البلد، في ظلّ الفراغ الرئاسي المستمر، إلى أعلى هرم في الدويلة القائمة في لبنان والتي نعرف جميعاً ونقرّ بأنّها "الدولة العميقة" وأنّ بيدها قرار السلم والحرب؟ لا نختلف مع رئيس الحكومة حين يستغرب سؤال إحدى الإعلاميات حول من يملك قرار السلم والحرب، ولا نستغرب أن تكون لحزب الله اليد الطولى (ولو من خلف الستارة) في كلّ المفاوضات الجارية مع الموفدين، كما لا نستغرب أن يكون نائب الرئيس بو صعب مفوّضاً من رئيس المجلس نبيه برّي (المفوّض بدوره من شريكه في الثنائي الشيعي) في زيارته الأخيرة الى العاصمة الأميركية..ولكن نستغرب (لا بل ونستنكر) أن يتنازل رئيس الحكومة، لأيّ سبب كان، عن الهامش الفاصل بين موقف الدولة الرسمي وبين موقف حزب الله غير الرسمي.هذا "الهامش" هو كلّ ما نملك، فكيف سمح لنفسه بالتفريط به، وهل كان ليفعل ذلك مثلاً الرئيس سعد الحريري (أو تمام سلام) لو كان أحدهما في السراي الكبير؟

في حرب تموز 2006 قاد المفاوضات رئيس الحكومة، آنذاك، فؤاد السنيورة:هل تخلّى عن دور الدولة على عجزها وتفكّكها في إدارة المفاوضات؟كان على عداء كامل مع الحزب، وكان خطر الإغتيالات جاثماً فوق رؤوس جميع السياديين، ولكنه لم يتردّد في حماية هذا "الهامش" بل استطاع توسعة دائرته والإستفادة منه، وصولاً الى القرار الذي يحفظ كيان الدولة، بغضّ النظر عن مدى التزام الطرفين المعنيين به، أي أسرائيل وحزب الله.وها نحن اليوم نفاوض تحت راية هذا القرار الذي صنعه الحيّز الرسمي..فبأيّ حقّ يأتي ميقاتي للتسليم الكامل بما تبقّى للدولة اللبنانية من وجود وتأثير؟

قضيّة غزّة وقضية فلسطين تعني العرب جميعاً كما تعني لبنان:فهل من دولة عربية قد تخلّت عن قرارها بالكامل لأيّ طرف داخلي أو خارجي؟ حتى سوريا التي تشهد احتلالاً إيرانياً شبه كامل (بالإضافة الى احتلالات روسية وأميركية وتركية) لم يرتضِ رئيسها بشار الأسد (وهو من أئمّة الممانعة والممانعين) أن يفاوض عنه أيّ طرف آخر، رغم ضعفه، بل لا زال يمانع في إقحام بلده في حرب غزّة لأنّه يدرك أنّ ثمن ذلك سيكون غالياً وغالياً جدّاً على حكمه وعلى ما تبقّى من سوريا!

نجيب ميقاتي يستطيع أن يناور في "مساحة" صلاحيات رئاسة الجمهورية الفارغة تحت شعار "ملء الفراغ.."، ولكنه لا يستطيع أن يتخلّى عن "الهامش الرسمي" تحت أيّ عنوان آخر كعناوين العجز وفقدان قرار الحرب والسلم وهيمنة الدولة العميقة، وأنّ الربط والحلّ هما بيد الحزب، فما نفع الإدعاء بغير ذلك؟

ما فعله ميقاتي، عن عدم فهم لحيثيّاته أو لحسابات خاصّة، يستدعي وقفة لبنانية من جميع القوى السياسية والطائفية والوطنية التي لا تزال ترى أنّ خلاص لبنان في قيام الدولة على المدى البعيد..وفي الحفاظ على مسافة سياسية (وهو ما نسمّيه بالهامش الرسمي) عن توجّهات حزب الله وعن مصالح إيران في المنطقة!