حشد إستثنائي..ولقاءات عاديّة!
بقلم رئيسة التحرير ليندا المصري
ثمّة تناقض واضح حكم مشهديّة 14 شباط، هذه السنة، في الذكرى 19 لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري:الحشد كان إستثنائيّاً بالآلاف، تحت الأمطار ومن مختلف المناطق..واللقاءات في بيت الوسط لم يكسر أيّ منها المألوف من الوجوه والزوّار والدلالات؟
لقد جاءت الدعوة الى المشاركة مباشرة من منسّقيات تيّار المستقبل، أي أنّه كان ثمّة قرار سياسي – تنظيمي بالعمل الحثيث لأوسع مشاركة ممكنة، على عكس السنوات الماضية، حيث كانت الدعوات خجولة.وهذا ما يأخنا إلى أنّ هناك "قبّة باط" سعودية أمام التنظيم والحشد، وإلّا لما تجرّأ "الأحمدان" (الأمين العام أحمد الحريري وأحمد هاشميّة) على إنجاح كلّ هذه التظاهرة الشعبيّة، والتي أكّدت من جديد على زعامة الرئيس سعد الحريري للطائفة السنيّة، بالرغم من الإبتعاد المباشر عن البلد وعن التدخّل في الشأن السياسي المحلّي منذ أكثر من سنتين..وإذا كانت هناك مرونة سعودية تجاه الحراك السياسي للرئيس الحريري، فلماذا لم تُترجم هذه المرونة في "خطاب العودة"، كما لم تُترجم في طبيعة ونوعيّة اللقاءات التي شهدها بيت الوسط؟
هناك من رأى في الإطلالة الإعلامية (ولو المختصرة) للرئيس الحريري عبر محطّتي "الحدث" و"العربية" إشارة سعودية إيجابيّة إضافيّة..ولكن يبقى التساؤل:لماذا أصرّ في حديثه على "عدم عودته الى العمل السياسي"، وكأنّه قد خرج فقط كي يؤكّد ما قاله – على طريقته – في بيت الوسط وعلى الضريح بأنّ "كلّ شيء بوقته حلو"..ولماذا رفع منظّمو تيّار المستقبل شعاراً للحدث "تعوا ننزل..تا يرجع" مع معرفتهم الأكيدة أنّه ليس براجع في هذه المناسبة، أو في القريب العاجل؟
وأيضاً ما يتناقض مع حجم الحشود هو طبيعة ونوعيّة اللقاءات التي عُقدت في بيت الوسط، فلم يكن هناك أيّ لقائ إستثنائي يتناسب مع إستثنائيّة الحشد الكبير؟
لقد باشر الحريري نشاطه بزيارة "بيتو" أي السراي الحكومي، كما عبّر عن ذلك رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، والذي بدا في قوله كمن يسكن "بالإيجار" ليس إلّا، في السراي الكبير..وتتالت الوفود والشخصيات الى بيت الوسط:مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان على رأس وفد من المشايخ (وهذا أمر ليس بجديد)، ومن ثمّ المرشّح سليمان فرنجية ونجله النائب طوني، وقد استبقاهما على مائدة العشاء، وهو ما كان ليشكّل خبراً مميّزاً لولا مرافقته لوزير الأشغال العامة يوسف فنيانوس الملاحق بعقوبات أميركية..معظم السفراء يزورونه في هذه المناسبة، ويزور بعضهم الضريح (كما فعلت السفيرة الأميركية الجديدة ليزا جونسون) في تأكيد على "جريمة العصر" ممثّلة باغتيال الرئيس رفيق الحريري من قبل النظامين السوري والإيراني على يد عناصر من حزب الله..كما زاره وفد من القوات اللبنانية، كما درجت العادة، دون أن يكون برئاسة الدكتور سمير جعجع ما يمكن له أن يبدّل في معنى الزيارة التي لم تتجاوز اللياقات الرسمية..
باختصار، هل يمكن تفسير أنّ ما جرى من "السماح" بتنظيم الحشد الشعبي الواسع، و"عدم السماح" بحضور وجوه طال غيابها عن بيت الوسط، مثل بعض القيادات المستقبلية السابقة كالرئيس فؤاد السنيورة و الوزير و النائب السابق أحمد فتفت والنائب السابق مصطفى علّوش وغيرهم، إضافة الى تغيّب السفير السعودي وليد البخاري والدكتور جعجع، إنّما يندرج ضمن إنتقال الموقف السعودي من "البطاقة الحمراء" إلى "البطاقة الصفراء" بانتظار الزمان والمكان المناسبين للبطاقة الخضراء..أم أنّه مجرّد تنفيس للإحتقان السنّي الباحث عن قيادة تمثّل تطلّعاته وتعيد له دوره المفقود في التركيبة السياسية اللبنانية القائمة؟