فكّرت زاهدة شيكير في الانتحار مرّات عدّة بعد فقدانها عائلتها بأكملها تقريباً في الزلزال المدمّر الذي ضرب تركيا قبل عام واحد، لكنّها قرّرت النضال لتحقيق العدالة والمطالبة بمطاردة ومحاسبة أولئك الذين تحملهم مسؤولية انهيار مبناها بالقرب من مركز الزلزال.
وتقول السيدة (48 عاماً) لوكالة "فرانس برس" من أحد الحاويات التي أصبحت منازل والتي يقطنها مئات الآلاف من الناجين في 11 مقاطعة ضربها الزلزال "لن أبقى صامتة حتى تحقيق العدالة".
وكانت محافظة كهرمان مرعش تضمّ أكثر من مليون نسمة قبل زلزال السادس من شباط (فبراير) 2023.
كانت شيكير تعيش في مجمع أبرار في كهرمان مرعش، الذي كان يضم مجموعة من المباني المؤلفة من ثمانية طوابق في موقع مركزي حيث لقي 1400 شخص مصرعهم عند وقوع الزلزال الأول بقوة 7,8 درجات ما قبل فجر ذلك اليوم.
وقال مسؤولون إن نحو 7500 مبنى انهار في مركز المدينة وحده، ما تسبّب بالضغط على فرق الإنقاذ في العواصف الثلجية التي ضربت المنطقة في ذات الوقت.
وانتشلت السيّدة جثتي طفليها بيديها في اليوم السادس. وتقول وهي تبكي "سلبوا مني فرحتي بالحياة. لقد مر عام. لا أستطيع تجاوز هذه الصدمة. أردت الموت مرّات عدّة".
وترى "فقط العدالة ستواسيني الآن".
تجاهل التحذيرات
وقضت كارثة الزلزال في 6 شباط (فبراير) 2023 على 50 ألف شخص.
ألقى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان باللوم في عدد القتلى الكبير على مطوري عقارات فاسدين دفعوا أموالاً لمفتّشين محليين من أجل استخدام مواد بناء رخيصة وإنشاء طوابق إضافية بشكل غير قانوني.
وأوقفت الشرطة التركية حوالى 200 مقاول ومطوّر في أعقاب الزلزال مباشرة. وحاول البعض الفرار إلى الخارج وتم احتجازهم في مطارات إسطنبول.
لكن يخشى محامون يقومون بتمثيل عائلات الضحايا أن العديد من المقاولين سيفلتون من ذلك بسبب اختفاء الكثير من الأدلّة التي ستدينهم عندما قامت الجرافات بإزالة الأنقاض.
وبالإضافة إلى ذلك، من غير الممكن إطلاق تحقيقات مع المسؤولين العموميين الذين وافقوا على تراخيص البناء ووقعوا على عمليات التفتيش على السلامة إلا بإذن وزارة الداخلية التي تبدو غائبة عن المشهد.
وتؤكد نباهات باكالا التي فقدت زوجها وابنتها وحفيدتها في الزلزال، أنّها قامت مراراً بتحذير المقاولين من أنّهم يقومون بالبناء على أرض غير مستقرّة وينتهكون قواعد السلامة.
وتوضح السيدة (68 عاماً)" قاموا ببناء غرفة للصلاة تحت الطابق الأول. وقاموا بقطع الأعمدة الداعمة"، مشيرة أن جدران شقتها بدأت بالتضرر من المياه.
وتابعت "لكن قام المقاولون بتهديد ابني عندما حذرناهم".
أدلّة مفقودة
وجادل توفيق تيبيباسي وهو أحد كبار المقاولين في موقع أبرار، أمام المحكمة بأنه لا ينبغي اتّهامه بارتكاب جريمة، قائلاً "لا أعرف أي شيء عن البناء" - ما أثار ضجة في وسائل الإعلام التركية.
ويواجه المقاول عقوبة السجن لمدّة تصل إلى 22 عاماً ونصف إذا أدين بالتسبب في الوفاة أو الإصابة بسبب الإهمال الجسيم، ويحاكم أيضاً في قضايا أخرى مرتبطة بالزلزال أيضاً.
وفقدت غمزة بلينغير دوغان (29 عاماً) والديها وابنتها البالغة من العمر تسع سنوات في مجمع أبرار، وبدا عليها التوتّر قبل دخولها المحكمة لحضور الجلسة الثانية للمحاكمة في وقت سابق من هذا الشهر.
وقالت لوكالة "فرانس برس": "أنا هنا حتى لا يطلق سراح تيبيباسي".
وخلص تقرير خبراء حصلت عليه وكالة "فرانس برس" حول أحد المباني المنهارة في المجمع إلى أن القواعد "لم يتم الالتزام بها بشكل كافٍ".
وحدّد التقرير مسؤولي المجالس المحلية المكلّفين الإشراف على المشروع بأنهم "الطرف المهمل الرئيسي".
لكن عمر جودي أوغلو وهو محامٍ للعائلات حذر من أن نقص الأدلة من الممكن أن يؤدي إلى التخفيف من عقوبة المسؤولين.
وأوضح لـ"فرانس برس": "بينما كان الجميع يركزون على أحبائهم المفقودين، تمت إزالة الأدلة وأزيلت الأنقاض مبكراً".
إعفاء مثير للجدل
في تجمّع حاشد في كهرمان مرعش عام 2019، أثنى إردوغان في حينه على قرار إعفاء مثير للجدل سمح للمباني التي شيّدت بطرق تنتهك معايير السلامة بالبقاء قائمة مقابل دفعة لمرة واحدة للحكومة.
ورأى في حينه أن هذا يقدم حلّاً لمشاكل الإسكان المزمنة في تركيا، وقدّم مساكن لـ145 ألف شخص إضافي في كهرمان مرعش لوحدها.
واليوم، يلقي المنتقدون باللوم على هذا الإعفاء في حصيلة القتلى الكبيرة.
وأشار المحامي جودي اوغلو أن الإعفاء "قانوني على الورق، لكن السؤال هنا هو ما إن سعى المقاولون إلى تحقيق الربح بمساعدة البلديات".
عند أنقاض مبنى مؤلّف من خمسة طوابق- قامت توبا اردموغلو بعرض قطع من المادة الاسفنجية التي تستخدم عادة للعزل أمام "فرانس برس".
ولقي 44 شخصاً من سكّان المبنى مصرعهم في الزلزال، ومن بينهم شقيقتها ووالديها.
وادّعت أن هذه المادة استخدمت بدلاً من الخرسانة المسلحة في الأعمدة الداعمة للمبنى، قائلة "انهار هذا المبنى في ثوان".
وتابعت "أريد ضم موظّفي المجلس المحلي إلى هذه القضية" موضحة "لن أسامح أبداً من قام بقتل عائلتي".
ما هو رد فعلك؟