حابل المعارضين ونابل المؤيّدين!

بقلم مراسل نيوز

حابل المعارضين ونابل المؤيّدين!

في تقليد نيابي مكرّر، وخاصة مع الجلسات المتلفزة، يقوم نوّاب الأمة بالإستعراض الكلامي المطوّل، يتخلّله بعض المناوشات والبطولات اللفظية، فينبري طامح الى رئاسة الحكومة للدفاع عن مقام الرئاسة الثالثة، ويقوم نائب أورانجي بالدفاع عن الكرسي الرئاسي الفارغ، ويتناوب علي حسن خليل الإستشراس في الدفاع عن الرئاسة الثانية وعن "المعلّم" نبيه برّي.

أمّا محصّلة الكمّ الكبير من الكلام المنمّق ومن المطوّلات في انتقاد الحكومة والموازنة وما فيها من مواد مجحفة أو غير قانونية، فتنتهي بالتصويت (على طريقة برّي المعهودة، جيث يختلط حابل الموافقين بنابل المعترضين) لصالح الموازنة التي يمكن اختصار مضامينها وموادها بنقطتين رئيسيتين:

-ضرائب بالملايين (ضرب عشرة وضرب عشرين، هذا بعد التخفيضات التي قامت لجنة المال، حيث قال رئيسها النائب ابراهيم كنعان أنّ الحكومة كانت قد شطحت في بعض الضرائب إلى نسبة 800 ضعف!) على المواطنين بحجج مختلفة، لعلّ أبرزها سعي الوزراء الى تصفير العجز الشكلي في موازنة 2024، أي تأمين الموارد المالية من جيوب المواطنين لتغطية نفقات الرواتب وما تيسّر من مصاريف ضرورية لإبقاء شكل الدولة مقبولاً أمام صندوق النقد الدولي.

-غياب الإصلاح عن بنود الموازنة غياباً تاماً، ما يؤكّد بأنّ هذه الدولة ليست في وارد محاربة الفساد، ولا في وارد الأخذ بالإصلاحات الجذرية المطلوبة منها، إن على الصعيد الداخلي، وإن على صعيد الدول المانحة والبنك الدولي.

ماذا يعني كلّ هذا، خاصة بعد أن خلص رئيس الحكومة في مرافعته بعد انتهاء مداخلات النواب إلى التوجّه لهم بالقول "إنتخبوا رئّيساً وحلّوا عنّا"؟

هذا يعني ببساطة أنّ ما يسمّى موازنة لم يأخذ بعين الإعتبار أيّ جانب علمي يفترض به أن يكون معيار مقوّمات أيّ رؤية ماليّة تقدّمها حكومة في أيّ دولة من دول العالم، كما لم يأخذ بعين الإعتبار الواقع الإجتماعي – الإقتصادي الذي يعيش تحت ضغطه المواطنون، وذلك قبل إقرار الضرائب العشوائيّة، فكيف الحال بعد إقرارها؟

وهذا يعني أنّ ما سمّته الحكومة المهزوزة ظلماً وعدواناً "موازنة" هو تجميع أرقام، تماماً كما قال النائب فيصل كرامي، من "حواضر البيت"، أي أنّها عشوائيّات بنود وضرائب وأرقام دون تقييم جدواها ومدى قدرة المواطن على تسديدها ودون دراسة إذا ما كانت ستحقّق فعلاً الواردات المطلوبة.وما يؤكّد ذلك أنّ الفارق بين أرقام موازنة الحكومة وأرقام موازنة لجنة المال كان شاسعاً جدّاً ومتناقضاً، حيث لحظت الحكومة عجزاً مع ضرائب مرتفعة، فيما لحظت لجنة المال توازناً بين الواردات والمصاريف مع ضرائب أقلّ بالكثير الكثير!

أمّا المضحك – المبكي في المشهد الديمقراطي يبقى أنّ عدد النواب الذين أعلنوا على شاشات التلفزة عدم تأييدهم للموازنة رغم تعديلات لجنة المال يفوق بكثير عدد النواب الذين أبدوا تأييدهم لها تحت شعار "وجود موازنة أفضل من عدم وجودها"، فكيف انتهت الجلسة الليلية بإقرارها، ومن أين جاءت الأصوات المؤيّدة؟

إنّه المايسترو الهرم الذي يصنع العجائب، فيجعل الأيدي المرفوعة "مع" هي الغالبة عدديّاً على الأيدي المرفوعة "ضدّ" دونما الحاجة إلى تعدادها..إنّه الساحر ميكي.إنّه قلم الكاريكاتريست الشهير الراحل بيار صادق.إنّه الرئيس المخضرم نبيه برّي..فمن أين نأتي بمثله بعد عمر طويل؟