أفريقيا تسعى للتّمرد على استغلال ثرواتها المعدنيّة
رغم أن قارة أفريقيا تمتلك ثروات وإمكانات هائلة في قطاع الثروات المعدنية، إلا أنها عانت منذ سنوات طويلة من عقود واتفاقات اعتبرتها دولها "مجحفة"، كونها أقرت ووقعت في فترات سابقة مع شركات دولية. وحالياً، تظهر حركة بدأت في الاتساع لـ"التمرد" على هذه الأوضاع، لكن الأسئلة تتكاثر حول قدرة دول أفريقيا على إدارة هذه الموارد، ومدى ردود الفعل التي قد تتعرض لها في مساعيها.
ويحتضن باطن القارة الأفريقية العديد من المعادن المهمة التي تشكل مورداً طبيعياً استراتيجياً. ومن بين هذه المعادن الذهب والفضة والنحاس والبوكسيت والألماس واليورانيوم، إلى جانب العديد من المعادن الأخرى التي تشكل مصدراً للثروة الاقتصادية.
لكن الاتفاقات السابقة مع شركات دولية كانت غالباً ما تمنح الشركات الأجنبية حقوق الاستخراج من دون النظر إلى مصلحة الدولة المستضيفة. فقد تم تحديد شروط لمصلحة الشركات الدولية، ما أدى إلى استنزاف الموارد من دون تحقيق عوائد كافية للدول الأفريقية.
وفي هذا السياق، تسعى العديد من الدول الأفريقية إلى إعادة التفاوض على العقود والاتفاقات القائمة مع الشركات الدولية، ويهدف ذلك إلى تحقيق توازن أكبر في الفوائد المترتبة على الجانبين.
ومنذ فترة طويلة، تواجه اتفاقات التعدين في عدد من الدول الأفريقية، اتهامات متجددة بشأن "شروط غير عادلة"، يفوز فيها طرف واحد - عادة المستثمرون - على حساب البلدان المضيفة.
وفي الوقت الحالي، وفي ضوء ما تتمتع به دول أفريقية من ثروات معدنية مهمة مثل الكوبالت والليثيوم، فإنها تسعى إلى إعادة صوغ عقود التعدين الخاصة بها، لجهة المطالبة بالمزيد من الضرائب والأرباح.
وتمتلك القارة السمراء نصف احتياطي الذهب في العالم و12 في المئة من النفط و32 في المئة من الثروات المعدنية، ومن بينها نحو 90 في المئة من احتياطيات الكروم والبلاتين.
زامبيا.. أحدث "المتمردين"
وفي السياق نفسه، تطرح دول أفريقية نفسها كمنافس للشركات العالمية العاملة في تجارة المعادن والموارد الخام، كان آخرها زامبيا التي أعلنت في شباط (فبراير) الجاري اعتزامها تداول حصتها من إنتاج مناجم النحاس الوطنية مباشرة؛ لتنافس شركات تجارة المعادن والمواد الخام العالمية العملاقة مثل ميركوريا إنيرجي غروب وغلينكور، طبقاً لما أعلنه المستشار الاقتصادي للرئيس الزامبي.
وبينما تمتلك الحكومة الزامبية بعض المناجم، فإنها تقول منذ عقود إن إيرادات الدولة منها منخفضة للغاية، وذلك في سياق الجدل الدائر والمستمر حول الاتفاقات المماثلة في عدد من دول القارة.
وبذلك فإن الدولة الواقعة في جنوب القارة، تنضم إلى عدد من البلدان التي اتخذت ذلك المنحى في سياق استغلال الثروات المعدنية لتحقيق عوائد أعلى، ومن بينها كل من بتسوانا والكونغو الديموقراطية.
ويسعى عدد من الدول الأفريقية التي تعد صاحبة أكبر مخزون من معادن مثل الكوبالت والماس والبلاتين واليورانيوم، إلى تعظيم الاستفادة الاقتصادية من ثرواتها المعدنية من خلال بيع إنتاجها إلى المشترين مباشرة.
الكونغو الديموقراطية.. تشريع حاسم
بالنسبة الى جمهورية الكونغو الديموقراطية، الواقعة في وسط القارة، والتي تتمتع بأكبر احتياطي من الكوبالت في العالم، فإنها أعادت التفاوض بشأن صفقة بقيمة 6 مليارات دولار للبنية التحتية للمعادن تم توقيعها في عام 2008 مع شركات التعدين الصينية. ومن خلال مدقق حسابات الدولة، طالبت كينشاسا بزيادة الاستثمار في البنية التحتية إلى 20 مليار دولار.
وكانت البلاد قد أشارت بالفعل إلى أنها لم تعد تعمل كالمعتاد بالنسبة الى القائمين بالتعدين، عندما أدخلت قانون التعدين الجديد في عام 2018 الذي هز الشركة البريطانية - السويسرية العملاقة غلينكور العاملة في القطاع.
بوتسوانا.. تهديدات حكومية
وفي بوتسوانا، هدد الرئيس موكغويتسي ماسيسي العام الماضي بقطع العلاقات مع شركة تعدين الماس "دي بيرز" (شركة بريطانية جنوب أفريقية عملاقة في مجالها) بسبب تقاسم الأرباح.
وبموجب الاتفاقية الحالية، تبيع الحكومة 25 في المئة من الماس الذي تستخرجه شركة ديبسوانا - مشروعهما المشترك - بينما تبيع شركة دي بيرز النسبة المتبقية البالغة 75 في المئة.
وفي السياق، أعادت اقتصادات التعدين الأخرى مثل جنوب أفريقيا وزامبيا وغينيا وأنغولا المراجعة أو إعادة التفاوض بشأن شروط اتفاقيات التعدين الخاصة بها مع المستثمرين.
وفيما دعا البنك الدولي وصندوق النقد الدولي إلى وضع قوانين تعدين حرة مواتية للمستثمرين في التسعينات، فإن البلدان الأفريقية تقاوم الآن ذلك، وتطالب بالمزيد من مواردها.
ورغم التحديات، يمكن للدول الأفريقية أن تستفيد كثيراً من ثرواتها المعدنية بوسائل مستدامة وعادلة. ويتطلب الأمر تعزيز الشراكات وتحسين الإطار القانوني والاستثمار في التعليم والتكنولوجيا. من خلال هذه الجهود المشتركة، يمكن أن تكون الثروات المعدنية في أفريقيا محركاً للتنمية المستدامة ورفاه الشعوب.
مصاعب في الطريق
لكن المساعي الأفريقية قد تصطدم في طريقها بالعديد من المصاعب بحسب المراقبين، وأولها هو إمكانات النظم في هذه الدول على تأسيس إدارات حاكمة لهذه العمليات بعيداً من الفساد المتفشي في كثير من دول القارة.
وثاني هذه المصاعب هو "القدرة التسويقية" لهذه الدول في صناعة ستكون ناشئة، وسط تنافس كبير من عمالقة كبار في هذا المجال لهم خبرات لا يستهان بها.
أما العقبة الثالثة، فستكون قانونية.. حيث سيتطلب الأمر عملاً كبيراً من أجل إحلال عقود جديدة بدلاً من تلك القديمة مع عدم الإخلال بالالتزامات، التي قد تجر عقوبات أو غرامات كبيرة على الدول الأفريقية الساعية إلى استغلال ثرواتها استغلالاً أفضل.