أوكرانيا بموقع الدفاع في مواجهة الهجمات الروسية

أوكرانيا بموقع الدفاع في مواجهة الهجمات الروسية
مع دخول الحرب في أوكرانيا عامها الثالث، تجد القوات الأوكرانية المنهكة بسبب هجومها المضاد الذي لم يسفر عن أي نتائج تذكر، نفسها أمام جبهة جامدة وجيش روسي أكبر عدداً وأفضل تسليحاً.
 
ومع حلول الذكرى السنوية الثالثة للغزو الروسي في 24 شباط (فبراير) 2022، كلّف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي يدرك مدى صعوبة الوضع، القائد الجديد للقوات الأوكرانية أولكسندر سيرسكي مهمّة إعادة رص الصفوف لتكون قادرة على تحرير المناطق الواقعة تحت السيطرة الروسية وفي الوقت نفسه عدم خسارة مناطق جديدة.
 
وأكّد زيلينسكي أنه "حان وقت التجديد"، مطالباً القائد الجديد للجيش "بخطة واقعية ومفصلة" للعام 2024، مع طموح تحرير الأراضي الأوكرانية المحتلة التي تمثل 20%، وهو الهدف المعلن للرئاسة.
 
وأضاف "لا يمكن لأوكرانيا أن تحقّق نجاحاً في 2024 إلا إذا حدثت تغييرات" خصوصاً أنّه على خط المواجهة، أدّى فصل الشتاء وهو الثاني بالنسبة إلى عدد كبير من الجنود، إلأى إنهاك القوات ومعنوياتهم.
 
"متعبون"
وفي كانون الثاني (يناير)، قال جندي لوكالة "فرانس برس" في موقع قرب كوبيانسك (شمال شرق) إحدى المناطق التي تشن فيها القوّات الروسية هجمات متواصلة منذ أشهر "الرجال متعبون جدّاً. معنوياً وجسدياً، لم يعد بإمكانهم التحمل. لأنّنا منذ عامين لم نرَ نهاية النفق".
 
في نهاية العام 2022، ارتفعت المعنويات بعد نجاح هجومَين في خاركيف (شمال شرق) وخيرسون (جنوب). في المقابل، لم يحمل العام 2023 وبداية العام الحالي إلا سلسلة من الخيبات على الأرض.
 
في أيار (مايو)، سقطت مدينة باخموت بعد أشهر من القتال الدامي، ثم فشل الهجوم المضاد الذي شنّته كييف في الصيف ولم يتح لأوكرانيا إلا استعادة عدد قليل من القرى على حساب خسائر ثقيلة.
 
انهارت الوحدات الأوكرانية أمام الدفاعات الروسية القوية، وباتت القوّات الروسية هي التي تبادر إلى شن هجمات متواصلة، خصوصاً في أفدييفكا.
مدينة ذات دلالة
أصبحت مدينة أفدييفكا الواقعة على الجبهة الشرقية، الرمز الجديد للمقاومة الأوكرانية. منذ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، تنفّذ القوات الروسية هجمات وعمليات قصف مكثفة للسيطرة على هذه المدينة التي أصبحت مدمّرة وحيث ما زال يعيش قرابة 900 مدني بعدما كان عدد سكانها قبل الحرب 30 ألفاً.
 
الخناق يضيق ولم يعد من الممكن استبعاد حصول انسحاب.
 
ووصف رئيس بلدية المدينة فيتالي باراباخ أخيراً الوضع بأنّه "خطر وصعب للغاية" في بعض الأحياء، وأقرّ بأن اشتباكات اندلعت في بعض شوارعها.
 
لكنْ، سجل أمر إيجابي وحيد خلال الأشهر الأخيرة في البحر الأسود، إذ يمكن لأوكرانيا أن تعتد بأنها أجبرت الأسطول الروسي القوي على التراجع خصوصاً باستخدامها صواريخ وطائرات بحرية مسيّرة، ما أدّى إلى صد أسطول الكرملين وفتح ممر حيوي لتصدير الحبوب الأوكرانية.
 
عديد وعتاد 
خلال عامين، تكبّد الجيش الأوكراني أيضاً خسائر بشرية لم يُعلن حجمها، لكن الأميركيين قدّروها بحوالى 70 ألف قتيل وما يصل إلى 120 ألف جريح.
 
واليوم، تكافح القوّات الأوكرانية لإيجاد متطوّعين للجبهة، فثمّة حاجة ملّحة لتعويض الخسائر. وبالإضافة إلى كل ذلك، بدأ جنود يطالبون بالحق في التسريح.
 
أمّا روسيا التي تضم عدداً أكبر من السكّان والأكثر ثراء وتعتمد نظاماً له نزعة استبدادية، فيبدو أنّها تعيد تجديد صفوفها عبر مزيج من الدعاية الوطنية والإكراه والحوافز المالية.
 
في أوكرانيا، يحتدم النقاش بشأن التعبئة واضطرت الحكومة لمراجعة مشروع قانون بشأن هذه المسألة.
 
وقال قائد كتيبة قرب باخموت لوكالة "فرانس برس" نهاية كانون الأول (ديسمبر) "وحداتنا تعاني نقصاً في الأفراد. نحتاج إلى شباب تقل أعمارهم عن 40 عاماً. والأهم هو تحفيزهم".
كان الجيش يريد تجنيد 500 ألف متطوّع إضافي، لكن زيلينسكي لم يوافق على ذلك.
 
وعلى صعيد التسلّح، تسود حالة من عدم اليقين بسبب مماطلة الأميركيين بشأن مواصلة إرسال المساعدات لأوكرانيا على خلفية حملة الانتخابات الرئاسية.
 
من جهّتهم، أقر الأوروبيون مساعدات جديدة بقيمة 50 مليار يورو، لكنهّم تأخروا كثيراً في ما يتعلّق بتسليم قذائف مدفعية.
 
ومن دون مساعدات، وفي ضوء صناعة عسكرية ناشئة ومتضرّرة جراء الحرب، لن تتمكّن أوكرانيا من الوقوف في وجه إمكانات روسيا التي يحول اقتصادها برمّته نحو المجهود الحربي.
 
السيطرة على المجال الجوي 
في المقابل، ستتمكّن كييف هذا العام من الاعتماد على مقاتلات "أف-16" التي سلّمها الغرب إيّاها بعدما طالبت بالحصول عليها لأشهر.
 
ومن شأن هذه الطائرات المقاتلة أن تساعد في تعويض النقص الشديد في المدفعية، وهي سلاح ضروري لإبطاء الهجمات الروسية وتنفيذ هجمات.
 
كذلك، يجب على أوكرانيا أن تزيد إنتاجها من الطائرات المسيّرة وهي سلاح أصبح لا غنى عنه.
 
ومن أجل الصمود، تطلب كييف أيضاً من حلفائها منظومات دفاع جوي. في تشرين الثاني (نوفمبر)، قال زيلينسكي إنه إذا "سيطر الروس على المجال الجوي بالكامل، لن نتمكّن من التقدّم".
 
من جهته، أشار وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا في كانون الثاني (يناير) إلى أنّه "في العام 2024، ستكون الأولوية طرد روسيا من المجال الجوي لأن من يسيطر عليه هو من يحدّد متى وكيف ستنتهي الحرب".