"أوهام" الإعتدال الوطني!

بقلم عبد الحميد عجم

"أوهام" الإعتدال الوطني!

على أعضاء "تكتّل الإعتدال الوطني" (النواب الستّة وليد البعريني، سجيع عطيّة، محمد سليمان، أحمد الرستم، عبد العزيز الصمد وأحمد الخير) أن يخفّفوا، ولو قليلاً، من تفاؤلهم المفرط بنجاح مبادرتهم الرئاسيّة، وقرب إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، حيث وصل الأمر بأحدهم (النائب سجيع عطيّة) أن أعطى موعداً قريباً يسبق فترة الأعياد، معتبراً أنّ التكتّل قد تحوّل إلى "بيضة القبّان" في المعادلة السياسية الداخلية، حيث تميل الكفّة كيفما يميلون.فيما بدا النائب أحمد الخير أكثر حذراً، معتبراً أنّ مبادرة التكتّل "تجسّد فعليّاً توجّه المجموعة الخماسيّة والمملكة.." من دون أن يحدّد فترة زمنية (كما فعل زميله)، مكتفياً بالقول أنّهم قد وجدواا تجاوباً لدى جميع الكتل النيابية التي التقوا بها!

ولكن بين التمنّيات والتجاوب الدبلوماسي من جهة، وبين الوصول العملي إلى ملء الفراغ في قصر بعبدا من جهة أخرى، ثمّة مساحات شاسعة تحتاج الى الكثير من "فنّ العوم" حتى يستطيع التكتّل أن يجتازها، وهي خطوات عجز عنها تباعاً الموفدون الفرنسيون، وعجز عنها الموفد القطري، وعجز عنها سفراء المجموعة الخماسية، وعجزت عنها كلّ المحاولات الداخلية السابقة، ولعلّ أبرزها "التقاطع" الذي جمع التيار الوطني الحر مع نواب المعارضة حول إسم المرشّح جهاد أزعور.فالعقدة الرئيسية تبقى في موقف حزب الله (ومعه رئيس مجلس النواب نبيه برّي) في التمترس حول مقولة "سليمان فرنجيّة أو لا أحد"، فهل وجد نواب الإعتدال حلّاً لهذه المعضلة التي لا تزال تحول دون الوصول الى "الخيار الثالث، الذي تقوم على أساسه كلّ محاولات قطر والسعودية وفرنسا ومجموعة الدول الخمس..وهل سمعوا من كتلة الوفاء للمقاومة كلاماً صريحاً باستعدادهم للتنازل عن مرشحهم "الذي يحمي ظهر المقاومة" ما يسمح لمبادرتهم أن تلقى النجاح، وما يسمح لهم حينها بكلّ هذا التفاؤل الذي بلغ حدّ تحديد المواعيد؟

لا شيء يوحي بهذا التوجّه لدى حزب الله الذي يخوض اليوم أشرس معاركه في مواجهة التفلّت الإسرائيلي من كلّ قواعد وشروط اللعبة العسكرية المتبادلة، حيث قام الطيران المعادي بقصف عمق بيئة الحزب، في عاصمة البقاع بعلبك، متخطّياً كلّ الخطوط الحمر وغير الحمر:فهل الحزب اليوم في وارد الإستماع الى "أوهام" نواب الإعتدال الوطني، وهو يخوض معركة "وجود أو لا وجود" مع الآلة الحربية الإسرائيلية الفتّاكة، ومع الحكومة الأكثر تشدّداً في تاريخ الحكومات الإسرائيلية؟

وإذا كان وفد التكتّل يبني تفاؤله أو حساباته على "مجاملات" اللقاءات، ومن الطبيعي أن يلقى لدى جميع الأطراف الكلام المعسول حول ضرورة إنتخاب رئيس للجمهورية، وحول ضرورة ملء الفراغ في المركز الأول في الدولة في ظلّ ما تشهده البلاد من تداعيات أمنيّة واقتصاديّة، وحول الإستعداد لفتح أبواب المجلس النيابي للحوار، بما فيه الدعوة لجلسات إنتخابات مفتوحة، فإنّه يكون كمن يدبّ أولى خطواته في العمل السياسي:فما يسمعه في الجلسات المفتوحة شيء، والحسابات التي يجريها كلّ فريق سياسي شيء آخر..بمعنى أنّ المضمر أكثر بكثير من الكلام المباح.وبمعنى أنّ الإستحقاق الرئاسي في لبنان قد بات جزءً لا يتجزّأ من النتائج التي سترسو عليها الحرب نصف الكونيّة الدائرة من مشارف إيران، إلى بوابة رفح بين غزّة ومصر، إلى مخاطر الملاحة الدولية في البحر الأحمر، إلى كلّ ما يدور في سوريا والعراق ولبنان، إلى هدير الأساطيل والبوارج تملأ البحر الأبيض المتوسّط، وآخرها دخول البوارج الصينية على خطّ حماية ممرّ التجارة بين الشرق والغرب!

لا بأس أن يرمي نوّاب "الإعتدال" حجرة في مياه الرئاسة الراكدة، شرط ألّا يتوهّموا (ويوهموا اللبنانيين معهم) أنّ بيدهم "الفانوس السحري" الذي يفتّش عنه الكون بأسره دون أن يجد له أثراً ولو بسيطاً!