التسامح والتعاون في الأديان السماوية خلال الأزمات الإنسانية

بقلم السيد حسن الأمين

التسامح والتعاون في الأديان السماوية خلال الأزمات الإنسانية

الالتفات للأزمات الإنسانية حتى لو كان الذي يمر بها خصما أو عدوًا هو مبدأ أساسي في الأديان السماوية، التي تدعو إلى الرحمة والعدل حتى مع الخصوم. 

 

هناك عدة توجيهات دينية وأخلاقية وانسانية تدعو لذلك من أجل تقديس الكرامة الإنسانية وتدعو إلى الرحمة والتسامح والعدل والمساواة وتعتبر الثواب عليه عظيما وفرصة للإنسان للإستزادة من الخير والدرجات في يوم الجزاء الأوفى.

 

فالأديان السماوية تؤكد على قيمة الإنسان وكرامته بغض النظر عن عرقه أو دينه أو خلفيته. في الإسلام، يقول الله سبحانه في القرآن: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ" (الإسراء: 70)، أي أن كل البشر مكرمون بخلقهم. وكذلك في المسيحية، يقول السيد المسيح: "فكل ما تريدون أن يفعل الناس بكم، افعلوا هكذا أنتم أيضًا بهم" ، وكما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله: (من أحب أن يزحزح عن النار، ويدخل الجنة؛ فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه) . مما يعني أنه يجب معاملة الآخرين بالرحمة والتعاطف وبالشعور الفطري الإنساني الذي خلقه الله فينا.

 

 والرحمة والتسامح جزء مهم في الأديان السماوية فهي تحث على الرحمة حتى مع الخصوم و الأعداء. في الإسلام، هناك توجيهات لعدم إيذاء الأسرى أو الجرحى أو المدنيين وحتى الحيوانات والشجر والفارين في الحرب. 

قال النبي صلى الله عليه وآله ( إنما أنا رحمة مهداة) وقال:(صل من قطعك واعط من حرمك واعف عمن ظلمك) وقال السيد المسيح عليه السلام: (أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم) ، مما يدل على التسامح والتعامل بالرحمة حتى مع الخصوم والأعداء.

 

وأما العدل والمساواة فالعدالة من القيم الأساسية في الأديان السماوية والطموح البشري. العدالة تشمل معاملة الجميع بإنصاف، بما في ذلك الأعداء والخصوم. في الإسلام، يأمر القرآن بالعدل مع الجميع حتى مع من بينك وبينهم كراهة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) (المائدة: 8) ويقول السيد المسيح عليه السلام: (وإن سلمتم على إخوتكم فقط، فأي فضل تصنعون؟ أليس العشارون أيضا يفعلون ذلك؟)

 

وهذا التشجع على تقديم العون للمحتاجين، حتى لو كانوا خصوما أو أعداء، هو لنيل الأجر والثواب. يقول القرآن: "إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا" (الإنسان: 9). وفي المسيحية والإسلام، تعتبر الرحمة والصدقة من الأعمال التي تقرب الإنسان إلى الله.

 

 

هذه الرسالة الدينية للتعامل بالرحمة مع الخصم والعدو يمكن أن يكون وسيلة لبناء جسور من الثقة والمصالحة واستخدام الأدوات العاقلة والناطقة للتعارف والحوار بدلاً من أدوات تعزيز الكراهية والعنف الجارحة للعلاقات المجتمعية كما فعل النبي صلى الله عليه وآله عندما أرسل المنادي ينادي بين الناس قائلا: ( اليوم يوم المرحمة، اليوم تصان الحرمة).

 

في المجمل، الأديان السماوية تدعو إلى الإنسانية والتعامل بالرحمة مع الجميع، بغض النظر عن الخلافات أو الصراعات.

 

قال أحد الحكماء شعرا، وينسب القول إلى الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام:

 

إِنَّ الغَريِبَ لَهُ حَقٌّ لِغُرْبَتهِ

على الْمُقيمينَ في الأَوطانِ والسَّكَنِ

 

لا تَنْهَرَنَّ غَريباً حَالَ غُربتهِ

الدَّهْرُ يَنْهَرَهُ بالذُّلِ و المِحَنِ

 

ومن هنا من كان آمنا في وطنه وسكنه يكون عليه استشعار هذه النعمة ونقلها للآخرين شكرا لهذه النعمة التي يعيشها.

-------------

مؤسسة العلامة السيد علي الأمين- لتعارفوا