في خطاب باسيل المستجد!
بقلم عبد الحميد عجم
لا يستطيع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل أن يتنكّر لماضيه القريب بسهولة مطلقة، ولا يكفي أن يعلن تبرّؤه من مفاعيل "إتّفاقيّة مار مخايل" التي بفضلها وصل الجنرال ميشال عون إلى قصر بعبدا، وبفضلها استحوذ "الصهر" على مكتسبات سياسية وإداريّة وماليّة في الدولة لا تعدّ ولا تُحصى، ما أسّس لتيّاره شبكة مصالح واسعة، وما هيّأ له الأجواء لوراثة "عمّه" في رئاسة التيّار لدورتين متتاليتين..فالإنتقال من خطاب إلى خطاب إنّما يستدعي وقفة نقديّة، ليس دفاعاً عن حزب الله، بل تثبيتاً لمشاركة باسيل في كلّ المسار الذي جعل الدويلة أقوى من الدولة، والذي أباح للحزب التصرّف بكلّ القرارات السياديّة، من قرار السلم والحرب، إلى وحدة الساحات، إلى خلخلة العلاقات اللبنانية مع محيطه العربي والدولي، بما يخدم الأجندة المصيريّة القائمة بين توجّهات حزب الله والمصالح العليا لإيران!
النائب جبران باسيل الذي يتنطّح، في خطابه المستجد، إلى رفض القبول بدعوة الحزب إلى "وحدة الساحات" مع الحرب في غزّة، وإلى رفض زجّ الجنوب ولبنان في حرب لا تمتّ إلى المصالح اللبنانية بصلة مباشرة، إنّما سبق له أن غطّاها بمواقف له تتعارض جذريّاً مع ما يقوله اليوم:فهو قد غطّى تدخّل الحزب في الحرب السوريّة الداخلية، من خلال تبنّيه العلني لمقولات الحزب حول حماية الداخل اللبناني من "داعش"، ومن ثمّ حول حقّ الحزب في حماية المقامات الدينية الشيعيّة في قلب دمشق (مثلاً مقام السيّدة زينب)، وهو ما أدّى آنذاك إلى توتّر العلاقات اللبنانية – الخليجية، حيث كانت السعودية والإمارات وقطر تقف الى جانب الشعب السوري في انتفاضته ضدّ نظام بشّار الأسد، فيما كان الحزب يمارس وحدة الساحتين اللبنانية والسورية دفاعاً عن نظام الأسد الذي ساهم في تهجير ملايين السوريين الى دول الجوار، وكان للبنان الحصّة الكبرى في هذا التهجير.بمعنى آخر، إنّ الحزب والتيّار طالما كانا شريكين حميمين في توريط البلد في حرب خارجيّة لا ناقة له فيها ولا جمل، تماماً كما هي الحال اليوم في ما تقوم به المقاومة الإسلامية بتوريط لبنان في حرب مدمّرة تحت شعار "في الطريق إلى القدس" وهو شعار يُراد به تقوية أوراق التفاوض الإيرانية مع الولايات المتحدة الأميركية، بحجّة التخفيف عن العدوان الذي تشنّه إسرائيل ضدّ القطاع وضدّ حركتي حماس والجهاد الإسلامي:فكيف يبرّر باسيل هذا التبدّل في المواقف، وكيف لنا أن نتقبّل هذا التحوّل دون أن يكون قد قدّم نقداً جدّياً لما افتعله حين كانت له مصلحة في وصول عون الى الرئاسة، ومصلحة في الإمساك بكلّ وظائف المسيحيين في الدولة، وهما أمران وفّرهما له الحزب مقابل "الغطاء المسيحي" لكلّ ارتكاباته في الداخل (7 أيّار والإغتيالات وحرب تمّوز وواقعة القمصان السود) وفي سوريا، وصولاً الى العراق واليمن!
لا يستطيع باسيل أن يغسل يديه اليوم من تداعيات "تحالف مار مخايل" لمجرّد أنّ الحزب يريد أن يكون سليمان فرنجية مرشّحه لرئاسة الجمهورية.ولا يستطيع أن يقنعنا بانقلابه النهائي على هيمنة الثنائي الشيعي على مفاصل الدولة، طالما أنّه يخضع للعبة الإغراءات، حيث أنّ أيّ "جزرة" من الحزب يمكن لها أن تجعله يتراجع، وهو ما قد كرّره أكثر من مرّة في لعبة "شدّ ورخي الحبل" مع الحزب:من جهة يرفع السقف عالياً، مزايداً على القوات والكتائب وبكركي، كسباً للرأي العام المسيحي المعترض على جرّ لبنان الى حرب لا قعر لها..ومن جهة ثانية، يستقبل الرئيس السابق ميشال عون وفد كتلة الوفاء للمقاومة برئاسة النائب محمد رعد، تأكيداً على عدم حرقه كلّ جسور العودة إلى حضن الإتفاق بين الطرفين، حين يُبدي له الحزب إستعداداً للتعاطي الإيجابي مع مطالبه وطموحاته في الرئاسة الأولى وفي غيرها من المصالح الخاصة بديمومة نفوذه!
باسيل شرّع وحدة الساحات قبل ساحة غزّة، وباسيل خرّب العلاقات مع دول الخليج، وباسيل قدّم للحزب أكثر من فتوى أتاحت له السيطرة على البلد وهو ما دفع الإدارة الأميركية إلى وضع العقوبات عليه، وما دفع وزيرة خارجية فرنسا كاترين كولونا أن تتجاهل وزير خارجيته عبدالله بو حبيب في آخر زيارة لها إلى بيروت، وما جعل المبعوث الأميركي أموس هوكشتين يمتنع عن اللقاء به فيما التقى معظم القوى اللبنانية في جولته منذ أيّام قليلة..وبالتالي يمكن القول أنّ كلّ خطاباته مردودة ولا تنبئ بالصدق، بل مجرّد تحسين شروط مع حليفه الاستراتيجي – حليف مار مخايل، ليس إلّا!