30 ألف شهيد:هل ما يستحقّ؟

بقلم عبدالحميد عجم

30 ألف شهيد:هل ما يستحقّ؟

نكتفي أو نفرح بتعداد قتلى العدو من جنود أو مستوطنين ومدنيّين، ونتجاهل عمداً أو عن إستخفاف بثقل الدم المراق ما قد بلغناه في أعداد ضحايانا من المدنيين في غزّة، وقد فاق حسب تقارير وزارة الصحّة الثلاثين ألف بين طفل وامرأة ومسنّ وشاب، عدا آلاف المفقودين تحت الردم والدمار، وعدا مقاتلي حماس والجهاد الإسلامي وباقي التنظيمات الفلسطينيّة، وكأنّ هؤلاء لا أمّ لهم تبكي ولا أب يتكسّر قلبه، أو كأنّهم وُلدوا ليموتوا مجهولي المكان والزمان والأسماء، أو كأنّه القدر قد أتى بهم إلى الدنيا والقدر يأخذهم إلى الجنّة الموعودة!

30 ألف ضحيّة وأكثر:فهل ما يستحقّ؟ وحتّى لا تتعالى بعض الأصوات التي تهلّل للموت والقضيّة والإنتصارات التي لا بدّ أن تخرج من بطن الأحزان، نعيد طرح السؤال بشكل أقلّ فجاجةً:هل حقّق هذا الموت الطويل شيئاً من الأهداف أو الأحلام أو في زحزحة جبل الجليد الذي يرخي بصقيعه فوق رؤوسنا وعقولنا الساعية الى التحرّر من نير الإحتلال والإستعمار والإمبريالية..والشيطان الأكبر؟

نبدأ مع عمليّة "طوفان الأقصى".دخلنا عقر دار إسرائيل، وتمّت السيطرة على مستوطنات عديدة في غلاف غزّة.كما جرى أخذ مئات الرهائن، ما شكّل "ضربة على الرأس" كما يقال، بالنسبة لأسطورة "الجيش الإسرائيلي الذي يُقهر":أين صرنا اليوم، بعد آلاف الشهداء ودمار كلّ معالم الحياة في القطاع الذي كان ينعم بشيء من الإستقلالية، ومن الحكم الذاتي، ومن العيش الكريم ولو بحدّه الأدنى؟

الحرب تدور بعيداً عن الغلاف، وتقلّصت أعداد الصواريخ التي تضرب عمق المستوطنات وعمق الكيان الإسرائيلي.المعارك في شمال غزّة وجنوبها تحوّلت إلى عمليّات، لا شكّ بطوليّة، متقطّعة حيث يتسلّل مقاتلون ويرمون دبابة أو مجموعة معادية بقذيفة أو صاروخ، نبدّل في تسميته من وقت إلى آخر، تدليلاً على تنوّع الأسلحة وتماسك القدرة القتالية.ولكنّ حقيقة الحرب أنّها قد وصلت إلى رفح:المعقل الأخير لمقاتلي حماس في الأنفاق، ولأكثر من مليون مشرّد بلا نفق ولا أفق ينتظرون أن تهبط عليهم من السماء صناديق الإغاثة، ليس إلّا!

البحث يدور في أروقة الدول المعنية بالحرب الدائرة (مصر، قطر، الأردن، أميركا وإسرائيل) حول "اليوم التالي"، حول مصير السنوار وضيف وباقي القيادات، وحول المصير المجهول لأهل غزّة الذين باتوا بلا سقف ولا بيت ولا فرصة عمل..وبلا مستقبل، أي أنّ الهدف الأصلي للحرب:تحرير القدس والمسجد الأقصى، قد بات بعيد المنال، وما كنّا نتوقّعه من نهاية سعيدة قد تحوّل إلى كابوس، وما كانت حماس تمتلكه من حكم وتقرير مصير قد تحوّل، في أحسن الأحوال، إلى منفى جديد، وإلى سؤال كبير:مَن يدير القطاع في المرحلة القادمة؟

ما كانت تمتلكه حماس من سلطة ومدن وشعب قد تبدّد بفعل الحسابات العسكرية الخاطئة، وبفعل الرهانات السياسية القاصرة:فهل ما وصلنا إليه (رغم وحدة الساحات، ورغم اللعب الإيراني على حبل الدم الفلسطيني والشعارات البرّاقة) يتماهى مع ثلاثين ألف شهيد وأكثر؟

وما ينطبق على تورّط قيادات حماس في سوء تقديرات الحرب وتداعياتها، ينطبق – ولو بشكل محدود حتّى الساعة – على "حرب الإسناد أو الإشغال" التي أعلنها السيّد حسن نصرالله في اليوم التالي للسابع من أوكتوبر:ها هو اليوم يواجه، ليس فقط إستنزافاً مؤلماً في كوادره وعناصره وقد تجاوزوا المئتي شهيد، وإنّما القرار الإسرائيلي بفكّ الترابط العملاني بين جبهة غزّة وجبهة الجنوب اللبناني.العدو الإسرائيلي يقول أنّ الهدنة في غزّة – إذا ما حصلت – لا تسري بالضرورة على الحرب مع حزب الله في لبنان.لكلّ جبهة شروطها ولعبتها بالدم والنار، بعيداً عن شعار "وحدة الساحات":الأقوى هو الذي يقرّر "السلم والحرب".وإذا كان نصرالله في علاقته مع الدولة اللبنانية هو الأقوى، وبيده قرار السلم والحرب، ففي معادلته مع إسرائيل ليس كذلك وهي التي باتت تقرّر:هدنة أو لا هدنة!

وحدة الساحات وحرب الإسناد ومناوشات البحر الأحمر وصواريخ الحشد الشعبي، كلّ هذا العبث الإيراني بالمنطقة وصولاً الى شروط تفاوضية أقوى مع أميركا، لا يمكن لها أن تغطّي بحر الدم الذي يغرق فيه أكثر من ثلاثين ألف غزّاويّ وغزّاويّة..ومجدّداً نتساءل:هل ما يستحقّ؟