السيرك!
بقلم مراسل نيوز
بدأ "السيرك" قبل أن يفتتح الرئيس نبيه برّي جلسة مجلس النواب التشريعيّة، حين جاءه رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل طالباً منه أن يعطيه أولويّة الكلام في بداية الجلسات.إلاّ أنّ الرئيس بري، منتهزاً الفرصة، سارع الى القول له بأنّ الكلمة الأولى من حقّ النائب جورج عدوان، وإذا أراد فما عليه سوى استئذانه بالموافقة..والسؤال:لماذا يريد باسيل الإستئثار بالكلمة الأولى..وهل كان ليظنّ أنّ برّي سيمرّر المناسبة دونما اللعب على حبالها؟
"المهرّج الأوّل" كان على الدوام النائب وزير المال السابق علي حسن خليل.فهو "حاضر ناطر" للدفاع عن المايسترو نبيه برّي.لا يفوّت إنتقاداً ولا يفوّت مداخلة أو اعتراضاً إلّا ويعلو صوته عل طريقة "لا صوت يعلو فوق صوت رئيس المجلس".إحتدّ بالكلام ضدّ النائب ملحم خلف لمجرّد أنّه طلب حقّ الكلام "في النظام".ولكنّ "الفار من وجه العدالة" كما وصفه زملاؤه سارع الى اتّهام خلف وزملائه التغييريين ب "المافيا".وفي الواقع، إذا صحّ هذا التعبير بالذات إنّما يصحّ حصراً على "الخليل ورفاقه" في أكبر مافيا نيابية وميليشياوية في البلد:هل ينكر أحد على "حركة أمل" هذه الصفة المطابقة؟
والطريف في تعليقات وزير المال السابق أنّه يأخذ على النواب قيامهم بما يشبه "المسرحيّات في مجلس النواب"، بمعنى أنّه المشرّع الأول، والباقون يشغلونه عن القضايا الكبيرة بقضاياهم الصغيرة، ليحسمها في الختام "مين شايفكم بالأوّل"؟
النائب وضّاح صادق لم يتأخّر في الردّ على تهمة "المافيا"، قائلاً:"يتّهمنا علي حسن خليل أنّنا مافيا وصرلو حاملنا سنتين.قمة الوقاحة ممّن استفاد من أكياس المال من أهالي وادي أبو جميل خلال تسوية سوليدير، وممّن كان العقل المدبّر ومهندس كل الفساد في البلد، حتى أصبح يسافر في طائرات خاصة ويمتلك مئات ملايين الدولارات، وارتكب جرائم منظّمة بحق الدولة والمودعين عند تولّيه وزارة المالية شريكاً لرياض سلامة.والطامة الكبرى أنّه مطلوب من العدالة يحتمي بالغطاء السياسي.العالم بأسره يعرف من هي المافيا في لبنان ومن نهبه..".
النائب جميل السيّد لا يزال يحنّ الى زمن غازي كنعان، فخلط ما بينه وبين رئيس لجنة المال ابراهيم كنعان، ولكنّه أصاب في الدعوة الى تخفيض الرسوم الجمركيّة على المشروبات الروحيّة كي "يشرب اللبنانيون ويسكروا وينسونا":هو على حقّ في أنّ هذا النوع من السيرك السياسي يحتاج الى مواطنين سكارى، على طريقة السيّدة أم كلثوم حين غنّت "هل رأى الحبّ سكارى مثلنا.."!
فصول السيرك الناجح لا تكتمل دون زجّ الحكومة ورئيسها في ما دار ويدور في جلسات التشريع التي نجح، مرّة جديدة، الرئيس برّي في عقدها بحضور مختلف القوى (وخاصة المسيحية) المعترضة على شرعيّة هذه الجلسات في ظلّ الفراغ الرئاسي المتواصل:نائب الرئيس الياس بو صعب سأل ميقاتي:"هل لو كان غازي زعيتر مثلاً وزيراً للدفاع هلّق كنت لتتعاطى معه كما تعاطيت مع وزير الدفاع الحالي موريس سليم"؟طبعاً، لا جواب من دولة الرئيس.فهو لا يجرؤ على القول "نعم"، ويخجل من أن يقول "لأ"!
وأكمل الهجوم النائب ابراهيم كنعان حين وصف الموازنة المقدّمة من الحكومة بأنّها تدلّ على أنّ "دولة بلا حسابات هي دولة بلا ذمّة، ودولة بلا ذمّة هي دولة بلا شرف..فإلى متى ستتّسم الحومات المتعاقبة بالعمل على وسم دولتنا بهذه الصفة"؟هنا انتفض ميقاتي محتجّاً على تعبير "بلا شرف"، فاسترضاه برّي بالدعوة الى حذف هذا التعبير من محضر الجلسة!
"السيرك" مستمرّ على حلقات متتالية قد تنتهي بالتصديق على موازنة 2024 الشكلية وقد تنتهي بالتأجيل الى عرض آخر لن يختلف في الشكل والجوهر عمّا سبق وعمّا يمكن أن يأتي لاحقاً!