نصرالله يطمئن؟
بقلم مراسل نيوز
لا شيء أشدّ إخلاصاً من أن يبادر "المرؤوس" إلى طمأنة "رئيسه" على أنّ العمل المكلّف به جارٍ وِفق ما يريد، وأنّه مستعدّ للفداء حتّى آخر نقطة دم من بيئته وشعبه، كرمى أن يبقى المفدّى بعيداً عن الشرور وأهوال الحروب:إنّه الوفاء المطلق.إنّه "الثقافة الإيمانيّة" كما جاء في الخطبة الأخيرة للسيّد حسن نصرالله، في كلامه عن إستعداد المقاومين لمزيد من الموت أو الإستشهاد في سبيل القضيّة!
"وفاء" الأمين العام الذي أعلنه في حضرة قائد فيلق القدس الإيراني اسماعيل قاآني، مطمئناً قيادة طهران بأنّ أحداً "لن يرشق بلاد فارس بوردة"، وأنّ الأذرع العسكرية (والحزب في طليعتها) هم الذين يقومون بمهام الحرب والموت، إنّما يذكّرنا إلى حدّ بعيد بما يظهره المرشّح سليمان فرنجية من "وفاء" للرئيس بشّار الأسد، مفسّراً ذلك باستمراريّة ما ورثه من وفاء جدّه الراحل للرئيس الراحل حافظ الأسد، بمعنى أنّنا في هذا البلد المخطوف لمحشورون أمام "وفاءين" لا ثالث لهما:أمّا للمرشد الأعلى في إيران..وأمّا للأسد إلى الأبد في سوريّا!
يطمئن نصرالله حكّام طهران أنّه لن يقوم بما يمكن أن يغضب أميركا أو إسرائيل، ما يدفعهما إلى توجيه بوصلة الحرب الدائرة في الجنوب ولبنان باتجاه الأراضي الإيرانية:شباب الجنوب والبقاع مستعدّون للموت تباعاً بدل جنود الحرس الثوري أو الجيش الإيراني.بيوت عيتا الشعب وكفركلا وبليدا وميس الجبل ستسقط فوق رؤوس ساكنيها شرط أن تبقى بيوت قم وأصفهان وباقي المدن الإيرانيّة بعيدة عن مرمى الصواريخ والقنابل.الإقتصاد اللبناني يتشظّى وتسجّل خسائره بالملايين مقابل أن يستمرّ تصدير الغاز والنفط من موانئ الشهيد رجائي وجابهار وقزوين.أطفال غزّة يموتون جوعاً وأطفال لبنان يموتون قصفاً، وسط الزفّة والإرتقاء والتبريك، على أن يشبع أطفال شيراز وتبريز ومشهد.كلّ شيء في بركة الإمام يهون:الأوطان، والمنازل، والنساء والأطفال والشيوخ والشباب.إنّها "الثقافة الإيمانيّة":أن يموت الشعب كي يحيا الملك.أن تموت الطائفة كي يحيا أئمّة الحوذيّات.أن يموت لبنان كي تحيا إيرن!
ولا يكتفي نصرالله بهذا الإندماج الكلّي في طمأنة إيران، بل يرتدّ إلى الداخل اللبناني، مطالباً بدوره القوى السياسية أن "تطمئنه" من خلال رئيس للجمهورية "لا يطعن المقاومة في ظهرها" كما جاء على لسان نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم ورئيس كتلة الوفاء النائب محمد رعد:طمئنونا..وإلّا، كي نطمئن بدورنا أولي أمرنا في الدنيا وفي الآخرة!
ولكن ما غاب ويغيب عن جدول عمليّات الأمين العام وقادة المقاومة الإسلامية، هو السؤال البسيط الذي يحتاجه كلّ لبناني "خائف" يريد أن يعيش ويفرح ويأمن لحاضره ومستقبله:من يطمئن اللبنانيين على مصير البلد ومصيرهم؟ ماذا ينفعنا أن تربح إيران في جولة المفاوضات مع أميركا، إذا ما خسرنا بلدنا ومنازلنا وحياة أولادنا وأحبّتنا؟
في الزمن القديم، رفض إله الأرض والسموات أن يقدّم النبيّ إبراهيم إبنه "أضحية" في سبيل الله، فكيف يمكن لنا في الزمن الحديث أن نقدّم شبابنا وأولادنا ضحايا كي "تطمئنّ" دولة أخرى، مهما كان الرابط مقدّساً ما بيننا وبينها؟ هل نعود بالزمن الى الوراء، هل نبقى في عنق التاريخ، هل نستعيد مشاهد اللطم والجلد كي يفرح الآخرون:في أيّ منزلق دينيّ خرافيّ يأخذنا سماحة السيّد، ومن أعطاه مفاتيح السماء حتّى يتصرّف بنا كقطيع لا رأي لنا ولا سؤال:موتوا كي يحيا الآخرون..إنّها قمّة الخرافة الدينيّة.إنّها قمّة المأساة!