حقيقة الصهيونية المسيحية

بقلم د. مصطفى علوش - خاص مراسل نيوز

حقيقة الصهيونية المسيحية

"فَـقُـلْ لِـمَـنْ يَـدَّعِـي فِـي الْـعِـلْـمِ فَـلْـسَفَةً        

                                 حَـفِـظْـتَ شَـيْـئًـا وَغَـابَـتْ عَـنْـكَ أَشْـيَـاءُ"

أبو نواس

 

كالعادة، فإن معظم التعابير المتداولة بين المتحدثين في السياسة في عالمنا، تفتقر إلى البحث الجدي في جوهرها لفهم طبيعتها وكيفية علاجها إن احتاجت للعلاج. الإشكال يقع عندما يتم تناقل الشعار بين الناس ليصار إلى فهمه من دون استفهام، ولكن كل على هواه. من التعابير المتداولة هذه الأيام هو "الصهيونية المسيحية". ما يفهمه الكثيرون هو أن هذا الأمر مرتبط بتوجه مسيحي لدعم اليهود، أو أنه جزء من مؤامرة على العرب والمسلمين. في القرن التاسع عشر، ظهرت مدرستان في المسيحية الصهيونية. البريطانية الداعمة لنظرية تحول اليهود للمسيحية قبل عودتهم لفلسطين كمسيحيين، والأميركية التي آمنت بأن اليهود سيعودون إلى فلسطين كيهود قبل تحولهم للمسيحية بعد ظهور المسيح ولكن بأعداد قليل، أما البقية فمصيرهم الفناء.

رأس فكر المدرسة الأميركية القس الأيرلندي جون داربي. بشر بكتابة العديد من المؤلفات شرح فيها رؤيته لنظرية عودة المسيح الثانية، ونظرية الألفية. حمل لواء الحركة من داربي عدة قساوسة البروتستنت أيدوا فيها نظرية حق اليهودي في فلسطين بناءً على اجتهادات توراتية.  

ومن أشهر الذين أسهموا في المسيحية الصهيونية عضو البرلمان البريطاني اللورد شافتسبري، ففي العام 1839 صرح بأنه "يجب أن نشجع عودة اليهود إلى فلسطين، حتى يستطيعوا مرة أخرى القيام بالرعي في سامراء والجليل"، وهو أول من وصف اليهود وفلسطين قائلا "شعب بلا وطن.. لوطن بلا شعب". 

بعد ذلك تطور المصطلح ليأخذ بعدا دينيا، وأصبح المسيحي المتصهين هو "الإنسان الذي يساعد الله لتحقيق نبوءته من خلال دعم الوجود العضوي لإسرائيل". تيودور هرتزل نفسه لم تكن دوافعه دينية لهجرة اليهود إلى فلسطين، فهو قومي علماني، أما المسيحيون المتصهينون فقد آمنوا بأن شرط عودة المسيح هو عودة اليهود إلى فلسطين.

 

 

 إن الحجج المؤيدة للمسيحية الصهيونية متنوعة وغالبا ما تكون متجذرة في وجهات نظر دينية وتاريخية وجيوسياسية، فيما يلي بعض النقاط الرئيسية التي غالبا ما يقدمها مؤيدو المسيحية الصهيونية:

- يعتقد العديد من المسيحيين الصهاينة أن إقامة دولة إسرائيل هي تحقيق لنبوءات الكتاب المقدس، وخاصة تلك الموجودة في العهد القديم. فقد يستشهدون بآيات من أسفار التوراة مثل سفر التكوين وإشعياء وحزقيال ليجادلوا بأن الله وعد بالأرض لنسل إبراهيم. آخرون يروا أن عودة اليهود إلى إسرائيل كجزء من خطة إلهية، فيقولون أن تأسيس إسرائيل هو علامة على أمانة الله لوعوده وأنه يتماشى مع رواية أكبر حول نهاية العالم. غالبًا ما يعبر الصهاينة المسيحيون عن دعمهم القوي للشعب اليهودي، ويعتبرونه شعبًا مختارًا له علاقة فريدة وخاصة مع الله. وقد يشعرون بواجب أخلاقي وديني للوقوف إلى جانب إسرائيل في أوقات الصراع أو التحديات الجيوسياسية. ويشير بعضهم إلى الروابط التاريخية بين الشعب اليهودي وأرض إسرائيل، بحجة أن لليهود مطالبة تاريخية مشروعة بالأرض. أما من وجهة النظر الجيوسياسية، يعتقد بعضم أن دعم إسرائيل يساهم في الاستقرار في الشرق الأوسط ويصب في مصلحة الدول الغربية، مؤكدين أن إسرائيل القوية يمكن أن تعمل كقوة استقرار في المنطقة.

من المهم أن نرى أنه معظم المسيحيين لا يتفقون مع الصهيونية المسيحية ولا يدعمونها. فهناك اختلافات لاهوتية وسياسية جذرية داخل المجتمع المسيحي فيما يتعلق بتفسير نبوءات الكتاب المقدس ودور إسرائيل في العالم الحديث. يمكن أن تختلف وجهات النظر حول هذا الموضوع اختلافًا كبيرًا بين الطوائف المختلفة والمؤمنين الأفراد.

لكن هناك أيضًا أربع وجهات نظر مسيحية ولأكاديمية غربية ضد المسيحية الصهيونية هي: أولًا أن الصهيونية المسيحية تسعى لتقريب نهاية العالم الذي يلي معركة "حر مجدو" أو "أرمغدون"، ومن هنا دعمهم لعودة اليهود إلى فلسطين بكثافة حيث يواجهون الموت الجماعي إلا لمن يتحول إلى المسيحية. ثانيًا يكمن في أن الدافع الأساسي لهؤلاء هو تنصيرهو وليس الحفاظ على ديانتهم. ثالثًا يؤكد معظم اللاهوتيين المسيحيين من غير الصهاينة بأن هذه الحركة هي هرطقة مبنية على اجتهادات وهمية تشوه حقيقة المسيحية. فهذه الحركة تسيء فهم العهود الإلهية وتتجاهل السعي لتحقيق العدالة وتخفيف معاناة البشر والشفقة على المظلومين، وهم الفلسطينيين كنتيجة حتمية لدعم هجرة اليهود إلى فلسطين. إما الحجة الرابعة فهي تقول بأن الاجتهاد المسيحي الصهيوني هو متماهى مع السياسيين الإسرائيليين ويدعم اليمين العنصري المتطرف ويعيق الجهود المبذولة لحل القضية الفلسطينية بشكل عادل ومستقر.

يذهب البعض إلى أن الصهيونية المسيحية هي شكل فاقع من أشكال معاداة السامية لأنه يجعل من اليهود كبش محرقة لنهاية العالم، وهو شكل من أشكال الانتقام من اليهودية التي رفضت المسيح في ظهوره وتبشيره، وخلاص بعضهم مبني على اعترافهم بالمسيح ويالتالي تنصرهم. فمعظم هؤلاء الإنجيليين يعبرون أنهم الحرس الحقيقي للعهد القديم وأهم بما يقومون به ينفذون وعد الله، وليس لكونهم يخدمون اليهود ولا إسرائيل، لكون الإثنان من أدواتهم. لكن، بالمحصلة، فمع علم قادة اليهود الصهاينة بنيات الصهاينة المسيحيينن فإنهم يستخدمون هذه الصرعة لتغطية كل الجرائم التي يرتكبونها، والمال الذي يصرفونه من جيوب الأمريكيين، في سبيل دولتهم. كما يقول المثل "رزق العقال على المجانين"!