نهاية الدور الإيراني في حلب: مشهد جديد للصراع الإقليمي
بقلم الباحث والكاتب السياسي عبد الحميد عجم
شهدت الأيام الأخيرة تحولات كبيرة في المشهد العسكري والسياسي حول مدينة حلب، حيث تعرضت المنطقة لهجوم واسع النطاق من قِبل مجموعات عسكرية تُنسب لهيئة تحرير الشام بقيادة أبو محمد الجولاني. بينما تستمر التداعيات الإنسانية والسياسية لهذا الصراع، بدأت تتكشف ملامح ضعف النفوذ الإيراني في المنطقة، مما يشير إلى بداية فصل جديد في موازين القوى الإقليمية.
لطالما كانت حلب نقطة ارتكاز في الصراع السوري، تحيط بها ميليشيات متعددة الجنسيات تضم قوات عراقية ولبنانية وأفغانية وحتى باكستانية، تعمل جميعها تحت مظلة إيران. هذه السيطرة الإقليمية كانت واضحة في السنوات الماضية، حيث ظهرت شخصيات مثل أبو فدك المحمداوي، قائد "حزب الله العراقي"، لتعزيز الحضور الإيراني. ولكن، مع الضغوط المتزايدة والتحديات الميدانية، يبدو أن هذه القبضة بدأت بالتراخي.
اجتياح هيئة تحرير الشام
الأسبوع الماضي، قادت هيئة تحرير الشام هجومًا مكثفًا في ريفي حلب وإدلب، حيث تمكنت من السيطرة على 63 بلدة وفقًا لتقارير "المرصد السوري". الهدف كان واضحًا: إحكام السيطرة على الطرق الاستراتيجية المؤدية إلى حلب. هذا التصعيد، وإن كان يبدو خطوة مستقلة، إلا أنه يحمل رسائل سياسية قد تشير إلى تغييرات في ديناميكيات القوى في شمال سوريا
تعاني الميليشيات المدعومة من إيران من تراجع واضح في نفوذها داخل سوريا، خاصة بعد التأثيرات السلبية للحرب في لبنان على "حزب الله"، الذي يُعد القوة الرئيسية في محور إيران الإقليمي. هذا الضعف لم يمر دون استغلال، حيث تبدو القوى المناوئة لإيران، سواء محلية أو مدعومة خارجيًا، في حالة استنفار لاستغلال هذا التراجع لصالحها.
مع تصاعد العمليات العسكرية، يواجه المدنيون واقعًا مريرًا. نزح أكثر من 14 ألف شخص، نصفهم من الأطفال، خلال أيام قليلة، وفق تقارير الأمم المتحدة. يأتي ذلك في وقت يتزامن مع بداية شتاء قارس، ما يزيد من معاناة هؤلاء النازحين الذين يجدون أنفسهم عالقين في وسط أزمة إنسانية خانقة.
لا يمكن تجاهل دور تركيا في دعم هيئة تحرير الشام بشكل مباشر أو غير مباشر. من الصعب تصور أن الجولاني قد يقدم على هجوم بهذا الحجم دون تنسيق مع أنقرة. ومع ذلك، تبقى العلاقة بين الطرفين معقدة، حيث تسعى تركيا للموازنة بين دعمها لهذه الفصائل وضمان عدم الإضرار بمصالحها الإقليمية.
بينما يشير البعض إلى أن النفوذ الإيراني في حلب والمنطقة بدأ بالتلاشي، لا يمكن الجزم بأن هذا التراجع نهائي. إيران، التي استثمرت بشكل كبير في دعم النظام السوري وحلفائها المحليين، قد تسعى لإعادة ترتيب أوراقها واستعادة قوتها في المنطقة. ومع ذلك، فإن الأوضاع الراهنة تشير إلى أن طهران تواجه تحديات حقيقية في الاحتفاظ بنفوذها وسط التغيرات الإقليمية والدولية.
في ظل هذا المشهد المعقد، يبقى التحدي الأكبر هو تحقيق إجماع وطني يوحد السوريين تحت راية واحدة، بعيدًا عن الهيمنة الإقليمية والتدخلات الدولية. بناء هوية وطنية جامعة هو السبيل الوحيد للخروج من هذه الدوامة التي أرهقت الشعب السوري لعقد من الزمان.
ما يجري في حلب اليوم ليس مجرد معركة عسكرية، بل جزء من لوحة إقليمية تتغير ملامحها باستمرار. مع تراجع الدور الإيراني وبروز قوى جديدة، تبقى سوريا مسرحًا لصراع المصالح، بينما يدفع المدنيون الثمن الأكبر. السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل ستكون نهاية النفوذ الإيراني بداية لمرحلة جديدة من الاستقرار، أم مجرد خطوة في طريق صراع طويل الأمد؟