"ثلاثيّة" غزّة!

خاص مراسل نيوز

"ثلاثيّة" غزّة!

تشهد القضيّة الفلسطينيّة أشدّ مراحلها تعقيداً وتناقضاً، منذ رحيل قائد منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات.فهي من جهة تتلقّى أوسع دعم لها في أوساط الرأي العام العالمي (التظاهرة الأخيرة المؤيّدة للشعب الفلسطيني تجاوزت المليون مواطن في شوارع لندن)، ومن جهة أخرى تشهد إسرائيل أوسع دعم لها سياسي وعسكري من أميركا ودول الغرب، ما يجعلها تشنّ حرباً غير مسبوقة على قطاع غزّة، مستفيدة من تداعيات عملية "طوفان الأقصى" التي هزّت أركان الكيان الصهيوني، ومن أنّ الممسك بالقرار الفلسطيني في هذه المرحلة مصنّف "منظمات أصولية" وهما حركتا حماس والجهاد الإسلامي، وأنّ الداعم الأساسي لهما هو محور إيران – دول الممانعة، ما يبقيها دون غطاء عربي كامل، وهو ما عبّرت عنه مقرّرات القمّة العربية – الإسلامية التي عُقدت في جدّة، والتي أتت دون المستوى المناسب لما تقوم به إسرائيل من تغيير ديموغرافي جذري في قطاع غزّة، على المستويين السياسي والأمني!
أمّا المفارقة الكبرى التي يمكن أن تدفع ثمنها "حماس"، كما دفع ويدفع ثمنها أهالي غزّة، إنّما تكمن في مصالح "الثلاثية" التي يفترض أنّها الحليف الإستراتيجي لمقاتلي كتائب القسّام وسرايا القدس، والتي ليس بالضرورة أن تصبّ في مصلحة غزّة، وهي ممثّلة بكلّ من حسابات طهران، وتوازنات دمشق وأحوال حزب الله:
لطهران هدف استراتيجي كبير تسخّر في سبيله كلّ نشاطات أذرعها الأمنية في لبنان واليمن وسوريا والعراق.الكلّ في خدمة المرشد الأعلى، دون أن يكون هذا الأخير في خدمة أحد غير مصالح إيران العليا.بمعنى أنّ طهران تستفيد ممّا قامت به حماس من ضربة في الصميم لإسرائيل وراعيتها أميركا، دون أن تكون ملتزمة بخوض "الجهاد الأكبر" في مواجهة "الشيطان الأكبر" حيث تسعى الى مشاركته في قسمة المنطقة، عندما يحين الوقت، وليس الى محاربته حتى النهاية.الصراع مع الأميركيين يهدف، في الكتاب الفارسي، الى الوصول لتسوية مشرّفة مع هذا العدو اللدود على طريقة "الأخوة الأعداء"، ليس إلّا!
بشّار الأسد يمرّ في أسوأ أيّامه.فهو يزين بقاءه في السلطة بميزان من ذهب:صاروخ بالزايد أو صاروخ بالناقص..آخر همومه القضية الفلسطينية وما يحلّ بشعب غزّة، هو الذي قتل وشرّد وسجن الملايين من شعبه، كما هو آخر همومه مصير "حماس" التي لم يكن يوماً على وفاق مع قادتها وتوجّهاتها صوب الإخوان المسلمين.فليس صدفة أن تبقى الجبهة السورية هادئة كلّ الهدوء، وليس صدفة ألّا يردّ الجيش السوري على الإنتهاكات والضربات الإسرائيلية شبه اليومية، كما ليس صدفة أن ينأى بتفسه عن كلّ ما يمكن أن يثير غضب بايدن وناتانياهو!
أمّا حزب الله، فهو الأكثر إحراجاً أمام جمهوره، وأمام تطلّعات حركتي حماس والجهاد إليه، خاصّة وأنّه طالما ادّعى تحرير فلسطين، كما أصدر "أمراً خطيّاً" بتسمية شهداء الحزب بالشهداء نحو القدس:فأين هو من القدس، وغزّة تُباد وتُهدّم فوق رؤوس مواطنيها، وحليفته في "وحدة الساحات" تتعرّض لنوع من الإستئصال الوجودي، بالرغم من البطولات النوعية التي يمكن أن تؤخّر في الخسارة الأخيرة، ولكن لا يمكن لها أن تعدّل في مسار الوصول المحزن إليها؟
جواب الحزب على حاجات حماس والجهاد لا يزال بعيداً عن المطلوب، لأنّ دون ذلك حسابات إيرانيّة أوّلاً، وحسابات الوجود العسكري الأميركي في البحر المتوسط ثانياً، وحسابات لبنانية – شيعيّة ثالثاً وأخيراً!
غزّة تستباح على أيدي الآلة العسكرية الإسرائيلية الفتّاكة، و"ثلاثيّة" الممانعة تنتظر دورها، لا للملمة جراح الفلسطينيين، وإنّما لقطف ثمار ما جنته أيادي غيرهم!