قبل العيد وبعد العيد!

بقلم عبد الحميد عجم

قبل العيد وبعد العيد!

كأنّ ممثّلي مجموعة الخمسة، وهم سفراء دول عظمى ومؤثّرة مثل أميركا وفرنسا ومصر والسعوديّة وقطر، قد استطابوا، عن قصد أو دون قصد، اللعبة اللبنانية بما يخصّ ال إستحقاق الرئاسي، حيث بادر السفير المصري....... إلى الوعد بمتابعة الإتصالات الجارية مع القوى السياسيّة في فترة ما بعد الأعياد، تماماً كما يفعل المحلّلون الإستراتيجيون (وهم جميعهم إستراتيجيّون)، على محطّات التلفزة، بإطلاق التكهّنات حول ملء الفراغ الرئاسي، تارةً "قبل العيد" وطوراً "بعد العيد"، وكأنّ الأعياد تحمل الحلول المنتظرة، مع سؤال بسيط:ما الذي يمكن أن يحصل، مثلاً، بعد عيدي الفصح المجيد والفطر المبارك، حتّى يبني المحلّلون أوّلاً، وسفراء اللجنة الخماسيّة ثانياً، توقّعاتهم التي باتت أقرب إلى التنجيم والوعود التي لم يعد يصدّقها أحد؟

لا شيء يمكن أن يستجدّ في الفترة الفاصلة عن الأعياد:هل سيتخلّى الثنائي الشيعي عن مرشّحه "حامي ظهر المقاومة" سليمان فرنجية ويحتكمون إلى "الخيار الثالث"؟ هل ستنشأ معطيات عسكرية وميدانية في الجنوب اللبناني، ما يجعل حزب الله يتخلّى عن خيار الفراغ في الرئاسة الأولى، وهو الأنسب له في هذه المرحلة حيث يستولي بالكامل (دون شريك رسمي) على قرارات السلم والحرب وتطبيق ال 1701 والربط بين ساحات القتال في غزّة واليمن وسوريا والعراق؟ هل سيلبّي قائد القوات اللبنانية سمير جعجع دعوة رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي إلى حوار لن يصل بالبلد إلى مكان؟ هل سيخضع رئيس التيّار الوطني الحر جبران باسيل لشروط حليف مار مخايل القاضية بانتخاب فرنجيّة أو لا أحد؟ هل سيعلن الرئيس السابق لتيّار المرده إنسحابه التلقائي من السباق الرئاسي، ما يفتح كوّة في جدار الأزمة؟ كلّ هذه الإحتمالات غير واردة وغير متاحة "لا قبل العيد ولا بعده"، فمن أين يأتي الصحافيّون والسياسيّون بهذه المواقيت التي تخضع للغيبيّات، وليس للمعطيات السياسية، كما يفترض؟

وللمناسبة، أين أصبحت مبادرة تكتّل الإعتدال الوطني؟ هل لا يزال النائب وليد البعريني ينتظر جواب كتلة الوفاء للمقاومة؟ وهل لا يزال النائب سجيع عطيّة مقتنعاً بأنّ رئيس المجلس سيترجم إعجابه بروح المبادرة إلى قرار بفتح أبواب المجلس أمام جلسات إنتخابيّة متتالية تنتهي حكماً بتصاعد الدخان الأبيض؟ وهل لا يزال النائب أحمد الخير واثقاً بأنّ أعضاء التكتّل لقادرون على الإختراق السياسي حيث عجز تباعاً الموفدون الفرنسيون وسفراء اللجنة الخماسيّة والمبعوث القطري؟ على كلّ، آخر ما صدر من أوساط نوّاب المنية والضنيّة وعكّار هو أنّهم سيستكملون مساعيهم الحميدة في فترة ما بعد الأعياد، ما يعني أنّ اللبنانيين يمكن لهم أن يستمتعوا بعطلة الفطر والفصح بعيداً عن ضوضاء الرئاسة والسياسة، علّ عجيبة تحصل فيما بعد!

لبنان، قبل الحرب الإقليميّة المصيريّة الدائرة، كان عاجزاً عن الوصول بالشغور الرئاسي إلى برّ الأمان، بحكم التناقضات الداخليّة العميقة، فكيف الحال وقد اندلعت حرب غزّة، كما اندلعت حرب الجنوب التي يمكن أن تتوسّع (إذا بتوسّع منوسّع) إلى مناطق أخرى ما بعد بعد بعلبك؟ لا حلول في الأفق القريب، وما علينا سوى التكيّف القسري مع حكومة تصريف للأعمال، ومع صراعات سياسية دونكيشوتية لا تنتهي، ومع حسابات خارجية لحزب الله تتّصل مباشرة بالمصالح الإيرانيّة دون أيّ اعتبار لحسابات الربح والخسارة في الإقتصاد اللبناني أو في الوجود الوطني لما يسمّى الدولة في لبنان.ثمّة حزب قويّ قادر قد خطف الدولة إلى كنف الدويلة، وخطف الإستحقاق الرئاسي وفق ما يتناسب مع روزنامته الخارجيّة..وخطف اللبنانيين إلى مجهول، قد يكون جهنّم..وقد يكون ما بعد بعد جهنّم!