ثقافة بلا وزير!
بقلم مراسل نيوز
الثقافة لا تحتاج إلى وزير، وبالطبع إلى مدّاحين.الثقافة تحتاج إلى مثقفين..فهل المرحّبون بافتتاح مكتب لوزير الثقافة محمد مرتضى لمدّة 3 أيّام أسبوعيّاً في طرابلس، ومن بينهم رئيس إتّحاد إحدى النقابات العمالية، يمتلكون الحدّ الأدنى من بروفايل المثقّف؟ وهل لا تزال المدينة، كمكان إجتاحته الأرياف (من قبّة النصر إلى أبي سمراء، إلى شارع المئتين ومنطقة الضمّ والفرز) بكلّ عاداتها وتقاليدها ومفاهيمها، مؤهّلة للعب الدور المنوط بها في العام 2024:عاصمة للثقافة العربية؟ وبشكل حادّ، بعيداً عن الشعبوية والمسايرة والتملّق، هل لا تزال طرابلس تكتنز مقوّمات ما آلت إليه ذات مرحلة من المراحل بأن كانت "مدينة العلم والعلماء"؟ هل لا تزال "الحداثة"، التي سيتحدّث بها الدكتور السفير السابق خالد زيادة في ندوة حول "طرابلس..والحداثة" تمشح الوجه الراهن للمدينة، أم هي ذبلت وباتت أثراً طلَلاً بعد أن طالها طويلاً الخريف، فهجرتها الحداثة إلى مكان أكثر دفءً، كما تهاجر طيور السنونو بحثاً عن ربيع ذهب ولم يعد مثله مثل ربيع الثورات العربية الجميلة؟ وهل لا تزال الصروح الثقافية القائمة (وليس المقصود التعرّض للقيّمين عليها مشكورين في سعيهم الدؤوب لاستمراريتها وديمومتها رغم الخراب واليباب..) تعكس وتواجه ما يدور من جهل وجهالة ومن تخلّف ورجعية في كلّ زاوية، وفي كلّ موقع من المواقع السياسية والنيابية والوزارية والقضائية والنقابية والتربوية والبلدية، وهي (أي الصروح الثقافية) كانت حين أنشئت مقرّاً لكلّ فكر يساريّ تغييريّ تقدّميّ مناهض لكلّ أشكال الإقطاع والهيمنة والتسلّط؟
وبشكل أوسع، هل الثقافة العربية الموعودة في احتفالية 2024 تحمل جديداً، أم هي ستكون تكراراً للأفكار المغلقة المحنّطة التي يتلوها "وزير" من هنا، أو"وزير" من هناك بلغة خشبية لا تنطبق عليها صفات الثقافة كفعل عميق مؤثّر في عقول الجمهور وتوجّهاته نحو مستقبل مشرق؟ هل الوزير المشرف أصلاً على "عاصمة 24" يمتلك ناصيّة المثقّف حتى يستحق مفتاح هذه الإحتفالية؟ هل الجمعيات والأندية والأفراد المكلّفون بصياغة ورسم معالم "العاصمة الثقافية" مستعدّون لملامسة التابوات والمسلّمات التي نرزح تحت نيرها منذ مئات السنين؟ هل لدينا إحصاءات بمدى قراءتنا للكتب، وهل الجامعات ودكاترتها يتحضّرون لصقل الوعي الجماعي من خلال المشاركة الفاعلة في هذا الحدث الكبير بشعاراته، ما يجعل المدينة (أقلّه النخب المتحرّكة فيها) تخرج بخلاصات تنبئ بأنّها قابلة للعيش، وأنّها تستحقّ هذا الدور، وأنّها تختزن ما يؤهّلها لاستقطاب المحدثين والمجدّدين والتغييريين؟
وفي المناسبة، وعلى مسافة كيلومتر واحد من المقرّ الجديد المفترض ل "معالي الوزير" (هل يمكن لنا أن نخلع عنه لقب المعالي كإشارة رمزية الى دور الثقافة في تجاوز الألقاب والبروتوكولات؟)، كان "وزير آخر" (وزير الأشغال العامة علي حميّة) يعطي رخصة لأحد مافيات المرفأ تشرّع له إستباحة منطقة ثقافية بامتياز، تضمّ معلماً سياحياً (برج السباع) ومحطّة تنموية (سكّة القطار الذي ننتظر عودة صفيره بفارغ الصبر)، وتحويلها الى كاراج مفتوح لشاحناته مقابل "حفنة من الدولارات" لسبب وحيد "أنّ الإثنين، أي الوزير والمقاول، ينتميان الى خطّ سياسيّ ممانع واحد"..والمقصود من هذا التشابه القول بأنّ "الوزير" (في هذا الجسم السياسي اللبناني الحاكم المترهّل) والثقافة لا يلتقيان، وإذا التقيا فهذا يعني أنّ "الثقافة ليست في خير"، وبالتالي هذا يعني أنّ الحدث المنتظر لن يتجاوز حدود الخطابات المنمّقة الأقرب إلى الزجل والدجل، مهما كثرت وتناسلت اللجان المعنيّة بإدارة "المهرجان"!