سعد الحريري بين الظل والواجهة: هل يرسم لقاء أبوظبي ملامح مرحلة جديدة للبنان؟

بقلم الباحث والكاتب السياسي عبد الحميد عجم

سعد الحريري بين الظل والواجهة: هل يرسم لقاء أبوظبي ملامح مرحلة جديدة للبنان؟

وسط تصاعد التوتر الإقليمي واستمرار العدوان الإسرائيلي على لبنان وغزة، برز لقاء رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في أبوظبي كحدث سياسي يحمل في طياته أبعادًا لافتة تتجاوز مجرد اللقاء البروتوكولي. الاجتماع، الذي جمع أيضًا ميخائيل بوغدانوف، مبعوث الرئيس الروسي للشرق الأوسط، والسفير الروسي تيمور زابيروف، يفتح الباب أمام تساؤلات حول موقع الحريري في المشهد السياسي اللبناني ودوره المحتمل في مرحلة ما بعد الحرب.

 

الحريري، الذي اختار سابقًا الابتعاد عن الساحة السياسية، بدا من خلال بيانه عقب اللقاء كأنه يرسل إشارات عن عودة مدروسة إلى دائرة التأثير. فقد شدد البيان على ضرورة إنهاء "العدوان الإسرائيلي الهمجي" ووقف إطلاق النار الفوري، مع الالتزام الكامل بالقرار الدولي 1701. كما رفض الحريري استخدام لبنان كمنصة لتصفية الحسابات الإقليمية أو الدولية، في رسالة واضحة تؤكد موقفه الرافض لأي تدخل خارجي في الشؤون اللبنانية.

 

هذه التصريحات، رغم وضوحها، تحمل دلالات أعمق في توقيتها وسياقها. فروسيا، التي تعزز موقعها كلاعب محوري في قضايا الشرق الأوسط، قد ترى في الحريري شخصية قادرة على ملء فراغ القيادة في لبنان، خاصة في ظل غياب رؤية موحدة من القوى اللبنانية الأخرى. توقيت هذا التحرك، المتزامن مع تصاعد الأزمات في الداخل اللبناني، يعكس رغبة الحريري في إعادة صياغة دوره السياسي من خلال بناء جسور جديدة مع الأطراف الدولية المؤثرة.

 

منذ إعلانه اعتزال العمل السياسي، اختار الحريري مراقبة المشهد من بعيد، تاركًا فراغًا قياديًا ملحوظًا. إلا أن هذا اللقاء مع الجانب الروسي قد يكون مؤشرًا على نوايا لإعادة ترتيب أوراقه. فهل يشكل هذا التحرك بداية لتحولات أوسع في مقاربته السياسية، أم أنه مجرد مناورة تكتيكية؟

 

ما يميز الحريري عن غيره هو شبكة علاقاته الواسعة مع الدول العربية والغربية، والتي قد تساعده في استعادة دوره كصوت لبناني معتدل. لقاء أبوظبي يبرز كخطوة تكتيكية قد تعكس رغبة الحريري في الاستفادة من التحولات الإقليمية والدولية لفرض نفسه كلاعب سياسي قادر على تحقيق التوازن بين الأطراف المتصارعة.

 

لكن، رغم أهمية هذا التحرك، يبقى نجاح الحريري مرهونًا بمدى استعداده لتقديم مقاربة سياسية جديدة تتجاوز أخطاء الماضي وتستوعب تعقيدات المرحلة الراهنة. لبنان اليوم على مفترق طرق حاسم، ويحتاج إلى قيادات قادرة على تحويل الأزمات إلى فرص. وفي هذا الإطار، قد تكون عودة الحريري إلى الواجهة ممكنة إذا استطاع أن يوظف اللحظة بذكاء وحذر، مستفيدًا من الدعم الدولي دون التورط في الحسابات الضيقة التي لطالما أعاقت العمل السياسي في البلاد.