"حماس"..بلا سياسة!
بقلم مراسل نيوز
من أولى نقاط الضعف في الإنتقام الإسرائيلي من عملية حركة حماس "طوفان الأقصى" في مستوطنات غلاف غزّة أنّه قد انطلق دون أفق سياسي، أو بشكل أدقّ دون مرتكزات سياسية عليها تبنى الإستراتيجية العسكرية، وبناءً لذلك تُخاض الحرب، وبالتالي تحدّد الخسائر والأرباح.دخل الجيش الإسرائيلي الى الحرب..بلا سياسة.وهذا ما دفع الإدارة الأميركية، التي تنبّهت سريعاً إلى هذه الفجوة الإستراتيجية، إلى مسارعة قياداتها من الرئيس جو بايدن إلى وزيري الدفاع والخارجية إلى الهبوط المتكرّر في مطار بن غوريون في محاولة للحدّ قدر الإمكان من عبثيّة الغزو الثأري ووضعه في إطار سياسي معيّن.وقد خلصت الإدارة الأميركية، حسب ما ورد في صحيفة "وول ستريت جورنال"، إلى التأسيس على هذه الحرب وصولاً إلى الإطار السياسي الآتي:إحياء عملية إنشاء دولة فلسطينية، تقديم ضمانات أمنيّة لإسرائيل، وتطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية..عمليّا، لقد أنقذت الولايات المتحدة الأميركية حليفتها إسرائيل من التورّط المديد في حرب "بلا سياسة" إذا جاز التعبير!
فهل تنطبق هذه المعايير على حرب حماس، إذا صحّ التعبير، وعلى أداء حليفتها الإدارة الإيرانية التي تقود "حروباً صغيرة" في لبنان وسوريا والعراق واليمن تحت عنوان "وحدة الساحات"، وهل يكفي هذا العنوان ليكون لقتال حماس وباقي الفصائل الفلسطينية أفق سياسي يمكن الإعتماد عليه لتحديد النصر أو الهزيمة؟
بعد عمليّة "طوفان الأقصى" رفعت حماس وقوى الممانعة شعارات كبيرة فضفاضة، منها تحرير المسجد الأقصى، ومنها إستعادة القدس، ومنها مَن وصل بعيداً الى الدعوة القديمة في "رمي اليهود في البحر"..فهل تشكّل هذه الشعارات قاعدة سياسية صلبة يمكن لها أن تجاري البطولات المشهود لها في أرض الميدان، حيث آطهر ويُظهر مقاتلو حماس والجهاد بطولات إستثنائية..ولكن إلى أين؟
ما فوق الأرض لا يتماهى مع واقع ما تحت الأرض:هنا شعب قد تشرّد بالملايين، وحوالي 100 ألف ضحية بين شهيد ومفقود وجريح، وأبنية قد تسوّت بالأرض، بما فيها المستشفيات والمدارس وآخرها جامعة غزّة الشهيرة، حيث تحوّل القطاع إلى مساحة غير قابلة للعيش والسكن والحياة أشبه بصحراء النقب المجاورة..وتحت الأرض بطولات قد يسجّلها التاريخ العربي، وقد يُدرَّس في الجامعات والكليات العسكرية كما يقال، وقد تتداول حكاياتها الأجيال القادمة..ولكن، ماذا عن يوم غد؟ هل استعدّت حماس، حين حقّقت طوفانها وما بعد الطوفان، لحاضر ومستقبل هذا الشعب الشريد؟هل تمتلك طهران، راعية كلّ هذه الحروب الكبيرة والصغيرة، خطّة سياسية تأخذ بعين الإعتبار تثمير هذه البطولات، من خلال الإجابة على أبسط الأسئلة:إلى أين يعود الغزاويون المشرّدون في الخيم، وكيف يعيدون بناء بيوتهم وأحلامهم الصغيرة، ومن يلملم جراحهم الكبيرة؟
قد يكون الجواب الوحيد المفيد:أنّ "حماس" أعادت القضية الفلسطينية إلى واجهة الأحداث في العالم.وأنّها حقّقت نجاحاً إعلامياً باهراً تمثّل في التأييد الجارف لحق العودة في أوساط الرأي العام العالمي.وكلّ هذا صحيح، ولكن هل يؤسّس ذلك لسياسة يمكن أن تستفيد منها حماس، كمحطّة أولى في الطريق الى تحريركلّ فلسطين؟
لا شيء يوحي في كواليس "اليوم التالي" لانتهاء الحرب أنّ لحماس دوراً أو تأثيراً مباشراً أو وجوداً.ما يتردّد يدور حول دور للسلطة الفلسطينية الشرعية.ما يتردّد يدور حول إمكانية مشاركة مصرية أردنية في حكم القطاع.ما يتردّد أنّ هناك خلافات بين نتانياهو والإدارة الأميركية حول من يحكم غزّة.لا مكان لقيادة حماس في أيّ من هذه السيناريوهات المتداولة..لماذا؟ ببساطة لأنّ ما فعلته حماس كان "بلا سياسة"، ولأنّ من سهّل وهيّأ لمعركة 7 أوكتوبر (أي طهران) لا تمتلك رؤية سياسية خاصة بالقضية الفلسطينية، وإنّما تكتفي بإشعال النار في جنوب لبنان أو البحر الأحمر أو الجولان والعراق، كي تتدفّأ هي على مصالح الإمبراطورية الفارسية، ليس إلّا!