البلد قبل..الرئاسة!

بقلم مراسل نيوز

البلد قبل..الرئاسة!

درج المحلّلون الإستراتيجيون والكثير من السياسيين (وآخرهم النائبان وليد البعريني وإيهاب مطر) على الغوص في تحديد مواعيد للإستحقاق الرئاسي، كأنّهم بذلك يسجّلون نوعاً من السبق الصحافي على زملائهم من الإعلاميين أو زملائهم في المجلس النيابي، وهم في النتيجة يتحوّلون إلى ميشال حايك أوليلى عبد اللطيف لأنّهم أبعد ما يكونون عن "المطابخ" التي تتّخذ فيها هذه الأنواع من القرارات المصيرية الكبيرة!

آخر التحليلات الخائبة ما رافق الكلام عن حراك جدّي في اللجنة الخماسية، وأنّ لقاء سيعقد بين سفراء الدول الخمس ورئيس مجلس النواب نبيه برّي لتحريك هذا الملفّ لما له من أهميّة على البلد في هذه المرحلة المصيرية من تاريخ المنطقة ولبنان..فهل هذا صحيح؟

لم يطل الوقت على هذه التخمينات حتى تبدّلت المعطيات من إجتماع موسّع لسفراء أميركا وفرنسا وقطر والسعودية ومصر، إلى زيارتين بالمفرّق إلى عين التينة لكلّ من السفير السعودي وليد البخاري والسفير المصري علاء موسى:السفير الأوّل خرج دون الإدلاء بأيّ تصريح مكتفياً بإعلان السفارة أنّه "جرى خلال اللقاء البحث في أبرز التطوّرات السياسية الراهنة على الصعيدين اللبناني والإقليمي"، والسفير الثاني قال:"تناولنا الأحداث في المنطقة وتأثيرها على لبنان، وبحثنا في الشغور الرئاسي وآليّة عمل اللجنة الخماسية في المستقبل".وقد ربط تأجيل إجتماع سفراء اللجنة الخماسية بما أسماه "ترتيب مواعيد السفراء فقط"، فهل كان يمكن أن يحدّد موعد اللقاء قبل ترتيب هذه المواعيد؟

كلّ هذه المؤشّرات، إضافة الى ما قيل عن إبلاغ حزب الله للمرشح سليمان فرنجية بأنّ الوقت الآن ليس للبحث في الشأن الرئاسي بل هناك قضايا أهمّ وأخطر، تقود الى "ثانوية" ملء الفراغ الرئاسي في كرسي بعبدا (رغم نداءات البطريرك الراعي حول دور الموارنة وفقدان المواقع المارونية..)، وإلى أنّ الخطر الداهم لا يتأتّى من فراغ في بعبدا أو في رئاسة أركان الجيش أو في رأس السلطة القضائية، على أهميّة هذه المواقع، بل ممّا يدور في غزّة من حرب طاحنة لا يمكن لها أن تنتهي إلّا ب "غالب ومغلوب" كما تشير الى ذلك حجم الخسائر الإسرائيلية من جهة، وحجم التدمير اللاحق بقطاع غزة (45 بالمئة من أبنيتها قد دمّرت حسب تقرير الأمم المتحدة) من جهة أخرى..وممّا يمكن أن يحدث في البلد فيما لو قرّرت حكومة العدو فتح الجبهة اللبنانية على مصراعيها، أو قرّر حزب الله توسعة عملياته إذا ما تمكّن الجيش الإسرائيلي من الإطاحة بالمقاومة الغزّاوية التي لا تزال تستبسل رغم العنف الصهيوني غير المحدود!

"البلد في خطر" هو عنوان المرحلة، وحتى إشعار آخر.وكلّ ما يجري من لقاءات واتصالات وزيارات إنّما يندرج تحت هذا العنوان:أميركا والغرب لا يريدون امتداد الحرب الى لبنان لما ذلك من إنعكاسات على البنية التحتية وعلى اقتصاده المرهق، كما على ملايين السوريين النازحين..حزب الله يعدّ للألف قبل الدخول في مغامرة مدمّرة لا تنفع فيها عبارة "لو كنت أعلم"، خاصة وأنّ بيئته الحاضنة (الطائفة الشيعية) قد باتت صاحبة مكاسب وإمتيازات لا يسهل عليها خسارتها، وبالتالي تعويضها كما حصل في العام 2006..عدا عن أنّ العدو الإسرائيلي بات يخوض حرب وجود لا تسمح له بالعودة ولو خطوة واحدة الى الوراء!

الرئاسة مؤجّلة، وهي أصلاً لا تقدّم أو تؤخّر في المأزق السياسي الإقليمي والدولي القائم، حيث يدرك جميع الفرقاء المعنيّين أنّ "مفتاح البلد" ليس في بعبدا أو مجلس النواب أو حتى في خبايا الضاحية الجنوبية، بل هو بين يدي حكّام طهران الذين يديرون لعبة الأصابع المحروقة من غزّة، الى الجنوب والعراق وسوريا، وصولاً الى الحرب المستجدّة في البحر الأحمر!