لبنان... وطن التضحيات والوحدة الوطنية تحت راية الانتماء المشترك
بقلم الباحث والكاتب السياسي عبد الحميد عجم
لبنان، هذه البقعة الصغيرة بحجمها، العميقة بمغزاها، عُرِفَ بتاريخه المليء بالأحداث التي أظهرت عمق ولاء أبنائه رغم الصعاب. ومنذ عقود، كان لكل طائفة أسلوبها الخاص في التعبير عن انتمائها وتقديم التضحيات، لكن الدرب نحو التضامن والوحدة ظل راسخًا، لأن الحفاظ على لبنان كيانًا واحدًا ومستقلًا هو إرث كل اللبنانيين.
في تاريخ لبنان المعاصر، قُدّمت تضحيات جسيمة من أبناء كل الطوائف، فالموارنة دفعوا الثمن باغتيال بشير الجميل، الذي جسّد آمال وتطلعات الموارنة في وطن آمن وموحد. ولم يكن الألم بعيدًا عن الدروز الذين ودّعوا كمال جنبلاط، أحد أبرز دعاة الوحدة الوطنية والعيش المشترك. وبالنسبة للسنة، شكّل اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري خسارة كبيرة وترك جرحًا عميقًا، وأطلق مرحلة جديدة من البحث عن العدالة. كذلك، فقدت الطائفة الشيعية السيد حسن نصرالله ، رمزًا من رموز التضحية. هذه التضحيات المشتركة كانت بمثابة جسر يجمع اللبنانيين في مواجهة التحديات، ويذكرهم أن لبنان أكبر من كل الانقسامات.
اليوم، يمر لبنان بتحديات وجودية؛ الانقسامات الطائفية والسياسية تفاقمت، وزادت الولاءات الخارجية من تعقيد المشهد، لتضع اللبنانيين في موقف حرج: هل سنظل أسرى لهذه الانقسامات، أم سنسعى إلى مسار وطني يجمعنا جميعًا تحت راية لبنان فقط؟ إنَّ هذا السؤال الحاسم يتطلب من اللبنانيين أن يتجاوزوا حدود الطائفة ويؤسسوا لرؤية وطنية تتطلع إلى المستقبل وتتجاوز عقبات الماضي.
فاللبنانيون، رغم انتماءاتهم المتنوعة، هم مواطنون تجمعهم روابط التاريخ والجغرافيا والعيش المشترك. وقد أثبتت الأزمات المتلاحقة أن اللبنانيين يتوحدون عند الشدائد؛ إذ يجمعهم الإيمان بوطن كريم، ورغبة مشتركة في حياة أفضل، وعزيمة صلبة على بناء مستقبل لا يُباع ولا يُشترى.
بناء لبنان الموحَّد يتطلب من الجميع بذل الجهود لتقديم تنازلات وتجاوز المصالح الضيقة. على كل طرف، فردًا كان أو حزبًا أو طائفة، أن يلتزم ببناء لبنان المستقبل برؤية واقعية وأمل يتحدى الصعاب. الطريق قد لا تكون سهلة، لكن الشعب اللبناني أثبت مرارًا وتكرارًا قدرته على الصمود في وجه المحن عندما تتوفر الإرادة وتتوحد الرؤية.
في هذا السياق، يأتي دور الإعلام والمجتمع المدني والمؤسسات الثقافية في ترسيخ ثقافة الوحدة الوطنية، ونبذ الأجندات الضيقة التي قد تخدم مصالح خاصة أو خارجية. فلبنان لا يمكن أن يكون رهينًا للأطراف المتنافسة، بل هو في حاجة إلى صوت جامع يعكس إرادة شعبه. وهنا، يبقى على اللبنانيين أن يرفعوا صوتهم عاليًا باسم لبنان وحده، لبناء وطن قائم على العدالة والتضامن، يستند إلى إرادة شعب يطمح إلى غدٍ أفضل.
لقد حان الوقت لبناء لبنان الذي يتجاوز الانقسامات الطائفية والحزبية، حيث يصبح الولاء للوطن هو البوصلة، ويكون المواطنون جميعًا على قدم المساواة، يعملون معًا لمستقبل يليق بتضحياتهم. هذا هو لبنان الذي يستحقه الجميع، لبنان الذي حلم به الأجداد ويسعى إليه الأبناء، الوطن الذي يليق بماضيه ويستحق مستقبلاً أكثر إشراقًا.