طهران تصعّد وواشنطن تهدّد!

بقلم مراسل نيوز

طهران تصعّد وواشنطن تهدّد!

أيّ سيناريو يدور بين هذين البلدين الصديقين العدوين اللدودين؟ كيف يمكن لهما أن يتعايشا بالرغم من الحروب (ولو بالواسطة) الدائرة بينهما فوق مساحة شاسعة تمتدّ من البحر الأبيض المتوسّط إلى البحر الأحمر؟ كيف يمكن لحركة حماس أن تقوم بعمليّة "طوفان الأقصى" بسلاح وتدريب ودعم غير محدود من الحرس الثوري ضدّ إسرائيل الحليف الأكبر والأوّل لواشنطن، فيسارع الرئيس جو بايدن، وبعد ساعات قليلة على العملية التاريخية، ليصرّح بدم بارد "لا أدلّة لدينا تدين مشاركة إيران في هذه العمليّة"؟ كيف تتجرّأ طهران على ضرب قاعدة عسكرية أميركية تقع على الحدود السورية – الأردنية، متسبّبة بمقتل 3 جنود وجرح حوالي 35، وذلك من خلال ذراعها العسكرية في العراق (الحشد الشعبي)، ، وتعلو أصوات في الإدارة الأميركية لتبرّئ القيادة الإيرانيّة من "دم هذا الصدّيق":رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة يصرّح لإحدى المحطّات "نعتقد أنّ إيران لا تسعى لحرب معنا رغم رغبتها بمغادرة قوّاتنا العراق"، كما يصرّح كيربي لمحطّة سي إن إن "لا نسعى إلى حرب مع إيران ولا نريد توسيع نطاق الصراع في الشرق الأوسط"، فهل يعني ذلك أنّ طهران تسعى الى توسعة نطاق الحرب وأميركا تتهرّب من ذلك؟

كيف يمكن تفسير أداء الولايات المتحدة الأميركية مع "الحالة الحوثيّة"؟ بداية، رفعت إسمها عن لائحة الإرهاب، وحدّت من بيع الأسلحة الى المملكة العربيّة السعودية في عزّ صراعها مع الحوثيين، ما جعل هؤلاء يخرجون منتصرين على المملكة وعلى نصف اليمن..فما كانت النتيجة؟ ها هم هؤلاء يمارسون قرصنة غير مسبوقة في عمق البحر الأحمر، معطّلين التجارة الدولية بين الغرب والشرق، في تحدٍّ سافر ليس لأميركا فحسب، وإنّما لحليفتها العظمى بريطانيا ولكلّ المتضرّرين من هذه القرصنة، بدءً من الصين الى مصر.في المقابل، ماذا فعلت أميركا؟ قصفت بعض الصواريخ بعد أن أعلمت الحوثيين بالأماكن المستهدفة تقليلاً للخسائر، ثمّ دفعت الصين، كدولة تجاريّة متضرّرة، لإقناع الحوثيين بوقف العبث في مصالح العالم، دون أن يجدي كلّ ذلك نفعاً، ودون أن تحرّك أميركا ساكناً يُركن إليه في جعل الحوثيين، ومن خلفهم الإيرانيين، يتراجعون عن مسار التصعيد المتزايد بحجة دعم حرب غزّة تحت شعار "وحدة الساحات"!والمثير للعجب أنّ الإدارة الأميركية تؤكّد باستمرار أنّ إيران لا تريد الحرب ولكنّها تريد إخراج الجيوش الأميركية من العراق، أليس هذا نوعاً من أنواع الحرب؟ أليست المئة وسبعين عملية التي نفّذتها المليشيات الشيعيّة في العراق وسوريا، وصولاً الى الأردن، ضدّ القواعد الأميركية في المنطقة هي حرب إيرانية معلنة ضدّ النفوذ الأميركي، فما الذي يجعل واشنطن تتحمّل كلّ ذلك متسلّحة بما يمكن تسميته "صبراً جميلاً"؟

ثمّة من يجد الجواب على كلّ هذه التناقضات في أنّ أميركا لا تزال تعيش "عقدة 11 سبتمبر"، بمعنى أنّها تعتبر نفسها في حرب لا متناهية مع "الإرهاب السنّي" ممثّلاً بالقاعدة وداعش وطالبان، ومعتبرةً أنّ إيران، رغم كلّ ما تقترفه أذرعتها، هي شريك ولو مشاكس في هذه الحرب اللامتناهية، وهذا ما يفسّر "الحبّ القاتل" بين الطرفين:الحوثيّ حليف محتمل، أمّا القاعدة وداعش فعدوّ دائم..وكذلك الحال مع الفاطميين والزينبيين وحزب الله، فيما "حماس" (كتنظيم سنّي) يُباح لإسرائيل إبادتها والخلاص منها.

طهران تصعّد وواشنطن تكتفي بالتهويل والتهديد وحشد الجيوش:إلى متى يستمرّ هذا "العشق المستحيل"؟