على أزيز الرصاص!
بقلم رئيسة التحرير ليندا المصري
كأنّه كُتب على هذه المدينة الجاثمة على شاطئ البحر الأبيض المتوسّط أن تحمل "قلق" العالم، فلا تعرف لها استراحة ولا هدنة، ولا مشروعاً إقتصاديّاً ماريشاليّاً ضخماً ينقلها من ضفّة الفوضى والسباحة في المستنقع، إلى ضفّة الأمن والأمان ومعانقة الشمس! كأنّه كُتب على طرابلس أن تنام على أزيز الرصاص وتعداد القتلى والجرحى وخسائر أرزاق المواطنين، وأن تستيقظ على هموم جديدة باتت تلازمها جيلاً بعد جيل، ويوماً بعد يوم، فلا تشفع لها بركة شهر رمضان، ولا تكفكف جراحها خطّة أمنيّة من هنا، إو إجراءات عسكريّة من هناك!
ليل البارحة كان مشوباً بحرب شوارع، بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى من تبادل إطلاق نار واستعمال شتّى أنواع الأسلحة، وقد انتهى بثلاثة جرحى (أحدهم إصابته بليغة، ما ينذر بتجدّد الإشتباكات إذا ما ساءت حالته وتوفّي..)، إضافة إلى احتراق محل وبسطات لمواطنين يعتاشون منها..فمّن يعوّض؟ نزل الجيش (لا يمكن لهذه المؤسّسة العسكريّة أن تتواجد على مدار 24 ساعة في كلّ الأحياء والشوارع) وضبط الوضع، وهو يلاحق مطلقي النار، وربّما يلقي القبض على بعضهم (وعادة يكونون من الصغار، فيما الكبار يمتلكون حصانات عدّة)، ولكنّ لهذه الإجراءات مدّة زمنيّة محدودة، حيث سرعان ما تفتح المعركة في مكان آخر، وليلة أخرى..وهلمّ جرّا!
عندما نعرف الجهّتين المتقاتلتين في منطقة التربيعة، ونعرف أسباب إندلاع هذا القتال المروع، يبطل العجب..ويمكن القول:نضع الأصبع على الجرح..ولكن، هلى مَن يريد أو يقدر على منع نزيف هذا الجرح؟
إنّهم أصحاب المولّدات.وصراعاتهم تتكرّر في كلّ حين، أمّا بسبب التنافس على الزبائن، وأمّا بسبب المضاربة على تسعيرة الإشتراكات، حيث يحلو للبعض أن "يرخّص" كلفة الأمبير (من 150 دولاراً إلى 130 دولاراً، كما في حال إشتباك الأمس)، ما يجعل باقي أصحاب المولّدات يعترضون عليه "بالحديد والنار"..وهكذا دواليك، من إشتباك إلى إشتباك، خاصّة وأنّ هؤلاء (أي أصحاب الموتيرات) قد تحوّلوا إلى ما يشبه المافيا المنظّمة، لجهّة النفوذ والمال، ولجهّة اختراق بعض الأجهزة الأمنية بتأمين المصالح الصغيرة لها (توظيف المخبرين، وتوفير الإشتراكات المجّانية)، ولجهة مشاركة معظم كبار المسؤولين الإداريين في الدولة بالأرباح الكبيرة التي جنتها وتجنيها هذه الطبقة الجديدة التي نمت على حساب فشل وفساد الدولة في قطاع الكهرباء، ما جعلهم بداية يتحوّلون إلى منقذين للمواطنين من العتمة، ومن ثمّ إلى "مصّاصي دماء"، والويل كلّ الويل لمّن يعترض:شبّيحة الموتوسيكلات، بأسلحة مرخّصة، جاهزون للإنقضاض عند الضرورة!
الغائب الأكبر في هذا المشهد المأساوي هو السياسة وأهل السياسة في المدينة:من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، إلى وزير الداخليّة بسّام مولوي، إلى نوّاب طرابلس الثمانية الذين نرى صورهم في بعض الإفطارات، وفي بعض النشاطات الإجتماعيّة، وفي بعض المناسبات التي لا صلة فعليّة لها بالشأن السياسي، وبالمهمّة التي لأجلها انتخبهم من انتخب.فما أن صدر قرار المجلس الدستوري بإبطال المقعدين السنّي والعلوي وعودة النائب فيصل كرامي والنائب حيدر ناصر إلى المجلس، حتّى اختفت الإجتماعات الدورية لنوّاب المدينة، واختفى دورهم في وجوب توفير الأمن والطمأنينة لنهارات وليالي الشمال الحزينة:لماذا لا يعلو بقوّة صوت اللواء أشرف ريفي، هو الذي أعطته المدينة أعلى نسبة من أصواتها؟ لماذا لا ينفتح النائب فيصل كرامي على زملائه النواب، حيث أنّه قد بادر إلى شنّ هجوم خطابي – قانوني على أصحاب المولّدات؟ أين النائب الشاب كريم كبّارة، وأين النائب المتجدّد إيهاب مطر القادم بالباراشوت الأوسترالي الصنع، وأين الحاج طه ناجي الأكثر اهتماماً بوجع الناس؟ وماذا يفعل نوّاب الأقليّات (إيلي خوري، جميل عبّود وحيدر ناصر)، أو كونهم يمثّلون الأقليّات يتصرّفون كأنّهم معفيّون من "دم هذا الصدّيق"، بانتظار ما يقرّره نوّاب الأكثريّة السنّية؟ ما هكذا تُمارَس النيابة، خاصّة وأنّ أحدهم حزبي يدرك جيّداً معنى الدور المنوط به، والثاني يمثّل طائفة يقع عليه تجاهها مسؤولية كبرى، والثالث الذي فاز ب 78 صوتاً لا يكفي أن يتلّهى بالمناسبات الإجتماعية كأنّه كاهن رعيّة وليس في منصب مسؤول سياسي!
طرابلس لا تنام.تسهر كلّ ليلة على أزيز الرصاص.تعرف داءها الراهن:مافيا المولّدات..وتعرف الدواء:إجماع وضغط سياسي بما يغطّي الجيش كي يضع حدّاً جذريّاً لهذه الفئة التي سرقت جيوب الناس، وها هي تسرق النوم من عيونهم!