القاتل المتسلسل!

بقلم مراسل نيوز

القاتل المتسلسل!

ليس حكراً على شباط، أو على شهر واحد من السنة.كلّ أشهر السنوات الماضية والقادمة ممهورة بخاتم واحد هو "القاتل المتسلسل"، منذ تأسيس حكم الأخوين حافظ / رفعت الأسد، إلى حكم الوريثين بشّار / ماهر الأسد، مروراً بمن قصُر عمره باسل الأسد.

في شباط الأسود ثمّة أحداث أليمة تمتدّ بين 19 و38 سنة من الزمن:الأولى أطاحت بأمل اللبنانيين ببلد "نيّال من له مرقد عنزة في لبنان"، والثانية أودت بأحلام وطموحات فقراء وكادحين في أحياء وحارات مدينة مهمّشة تدعى طرابلس!

في 14 شباط 2005 كان الإنفجار الكبير الذي هزّ الوطن، وهزّ العالم..وهزّ أركان الوجود السوري المحتل في لبنان.سقط الرئيس رفيق الحريري، فنهض من سباته الطويل شعب لبنان العظيم، ونهض شعب 14 آذار، ونهض "لبنان أوّلاً" رغم تنكّر بعض صانعيه في لحظة تخلّي أو خوف أو زلّة لسان.رفيق الحريري الذي بنى وعلّم وعمّر لم تشفع له كلّ هذه الأعمال..فكان ما كان من شاحنة محمّلة بطنّين من مادّة السي فور، إنتظرت مروره في قلب بيروت، المكان الأحبّ الى قلبه وإلى عمرانه."القاتل المتسلسل"، والولد سرّ أبيه، كان له بالمرصاد.كما فعل الأسد الأب مع كمال جنبلاط والمفتي حسن خالد وخليل عكاوي، فعل الأسد الإبن مع الحريري وسمير قصير وبيار الجميّل وجبران التويني ومحمّد شطح..

في 9 شباط 1986 ذكرى تعود الى 38 سنة ولا تزال حاضرة.كانت هناك مدينة محرومة، يعشعش في أزقّتها الضيّقة بؤس وفقر وحرمان جنباً إلى جنب مع توق شديد إلى العدالة والمساواة.من هذا الوجع السياسي – الإجتماعي خرج صوت صارخ يدعى "خليل عكّاوي"، إبن عائلة تمرّست في النضال وفي مواجهة الظلم والظالم.كلّ ما فعله "أبو عربي" أنّه أعاد النبض إلى أولئك المساكين.كلّ ما فعله أنّه صنع للحارات فتوّتها الأشدّاء، وللأحياء قبضاتها المرفوعة..فكان أن توغّل في الوجدان العام، متحوّلاً إلى "بطل شعبي" ربطاً بالظروف السائدة آنذاك وربطاً بطبيعة المرحلة سياسياً وعقائدياً، ليس في طرابلس ولبنان وحسب، وإنّما في كلّ أنحاء العالم!

"أبو عربي" الخارج من التبانة تجرّأ على فوهة المسدّس.لم تنحنِ قامته ولا ارتجفت شفتاه أمام سطوة الموت.رفض أن يُغمض عينيه عن ظلامة الناس، ولم يأبه لوعيد "القاتل المتسلسل" في عزّ عنجهيّته وقدرته اللامحدودة على نشر الموت.جاء اللقاء الشهير في دمشق ليؤكّد المؤكّد:أنّ هامة القائد الشعبي لا تأبه لأوامر سيّد قصر المهاجرين، فكان أن صدر في تلك اللحظة "القرار"، حيث أيقن الأسد أنّه أمام غريم لا يلين، وأدرك "أبو عربي" أنّ الموت قدر لا مفرّ منه.

في لحظة واحدة، تقاطعت عيون القاتل والقتيل.وما هي إلّا أيّام معدودة حتّى أمطرت رصاصات محترفة سيّارة خليل عكاوي، فأصابت منه مقتلاً في الرأس، وكان أن أغمضت عينا "رجل شجاع" على مدينة سوف يسودها القهر والغضب حتّى أمد طويل..

"القاتل المتسلسل" لا يزال حرّاً طليقاً، لكنّه بات بعد تحوّلات "الربيع السوري" في قفص كبير، لا نستطيع حياله سوى الإنتظار البطيء، إلى جانب وليد جنبلاط، على ضفّة النهر بانتظار مرور "جثّة العدو"..وستمرّ:حينها نبتسم قليلاً، نشمت أكثر وربّما نبصق مهلّلين..وننام في تلك الليلة، ملء عيوننا، نومة عاشقين تلاقيا بعد فراق قسريّ مديد!