شهيد ورا شهيد!

بقلم مراسل نيوز

شهيد ورا شهيد!

ما كادت تشتعل حرب غزّة من جديد بعد انتهاء الهدنة الإنسانية الممدّدة طوال سبعة أيّام جرى فيها تبادل للأسرى الفلسطينيين والرهائن الإسرائيليين، حتى عادت بيانات المقاومة الإسلامية في الجنوب تصدر البيان تلو الآخر، متضمّناً "إرتقاء" الشهداء الواحد بعد الآخر، وقد وصل العدد الى ثلاثة خلال أقلّ من 24 ساعة من العودة الى "دعم الإخوة المجاهدين في غزّة"، وهم:محمد حسين مزرعاني (أبو علي) الذي استشهد مع والدته بعد قصف منزلهما في بلدة حولا الجنوبية، وجيه شحادة مشيك (يحي) الذي استشهد بعد قصف إسرائيلي لأحد بيوت المنطقة، والثالث هو خضر سليم عبود (فداء) من دير عامص في الجنوب، والذي ارتقى على "الطريق نحو القدس".وهكذا يكون عدد شهداء الحزب قد بلغ منذ بدء المناوشات على الحدود بعد عملية "طوفان الأقصى" 87 شهيداً، وهو رقم مرتفع جدّاً قياساً بحجم وطبيعة المعارك القتالية الدائرة مع العدو الإسرائيلي..ماذا يعني ذلك؟

يلاحظ في استشهاد العناصر الثلاثة، دون غيرهم من المواطنين، أنّ إسرائيل تقصف أهدافاً محدّدة (وخاصة البيوت المدنية) بناء على معلومات إستخباراتية تفيد بأنّ سكان هذه البيوت عناصر حزبية مقاتلة، وهو أمر خطير. وقد تجلّى هذا الخطر المتمادي في الضربة الأمنية الموجعة التي أصابت خلية قيادية من "فرقة الرضوان"، من ضمنها نجل رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، ما يعني أنّ إسرائيل قد استعادت تفعيل أجهزتها الإستخبارتية، بعد هزيمة 7 تشرين الثاني على أيدي مجموعات قليلة من كتائب الأقصى، وما يعني أنّه ثمّة إختراقات أمنية متشعبّة لصفوف الحزب، أكان على مستوى رفيع كما في حال عملية دير قانون، أو على مستوى عادي حيث تعرف بمكان وزمان تواجد العناصر في عقر منازلهم، كما في حال الشهداء الثلاثة الأخيرين!

هذا على المستوى الأمني – العسكري، أمّا على المستوى السياسي فالأمر يبدو أشدّ خطورة، وخاصة بعد فشل زيارة المبعوث الفرنسي لودريان الى لبنان، الذي نقل تحذيراً شديد اللهجة الى السلطة والقوى اللبنانية يقول فيه "أنّ نار غزّة تقترب من لبنان أكثر من أيّ وقت مضى"، ما يستدعي وقفة وطنية لاستدراك هذه المخاطر، بدء من التمديد لقائد الجيش جوزيف عون منعاً لانزلاق المؤسسة العسكرية، وانتهاء بضرورة ملء الفراغ الرئاسي لمواكبة التحوّلات العميقة التي تشهدها المنطقة بكاملها إنطلاقاً بما جرى ويجري وسيجري في غزّة وأهلها..ولكن كيف جاءت الردود على التحذيرات الخطيرة التي حملتها فرنسا باسم مجموعة الدول الخمس المعنيّة بالملفّ اللبناني؟

-جبران باسيل أنهى اللقاء مع لودريان بسبع دقائق متوتّرة، معتبراً أن فرنسا تتدخّل في شؤون لبنانية داخلية، عندما تناول الحديث الأهمية القصوى للتمديد لرأس المؤسسة العسكرية لمدّة 6 أشهر أو سنة، لما ذلك من تأثيرات سلبية على وجود القوات الدولية في الجنوب، التي تشارك فيها القوات الفرنسية!

-جريدة "الأخبار" شنّت حملة شعواء على المبعوث لودريان، متّهمة إيّاه بأنّه يعمل كمخبر لدولة إسرائيل، وبأنّه مجرّد "ناقل صغير" لمواقفها وتهديداتها، وقد وصفت فرنسا بأنّها "أجير قذر عند العدوّ"!

بين السقوط المتسارع للشهداء في الجنوب (شهيد ورا شهيد)، وبين الإستهتار بالمواقف الدولية التي لا تزال تهتمّ بالوضع اللبناني، يتسارع الإنهيار ويتسارع التدحرج الى قاع الهاوية..حيث نندم، ولا يعود ينفع الندم!